بين “ثقافة 996” الصينية وحدّ الـ52 ساعة الكوري.. وادي السيليكون الآسيوي في مأزق

أصبحت الابتكارات التقنية هي العملة الجديدة للقوة، يأتي ذلك في سباق عالمي لا يهدأ نحو السيطرة على تكنولوجيا المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى أشباه الموصلات والحوسبة الكمية.

يفرض هذا السباق المحموم على الشركات حول العالم معادلة صعبة: كيف يمكن تحقيق التقدم السريع دون أن يتحول مكان العمل إلى مصنع لا يعرف الراحة؟

ففي الوقت الذي تنتشر فيه ما يُعرف بـ”ثقافة 996″ القادمة من الصين، أي العمل من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، ستة أيام في الأسبوع، تواجه كوريا الجنوبية جدلاً من نوع مختلف حول قانون تحديد ساعات العمل الأسبوعية بـ52 ساعة فقط، بحسب تقرير نشره موقع “تك كرانش” واطلعت عليه “العربية Business”.

قانون يقيّد المبرمجين والمهندسين

بدأت كوريا الجنوبية، منذ عام 2018، بتطبيق نظام الـ52 ساعة أسبوعياً على الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية، قبل أن يدخل حيّز التنفيذ الكامل مع مطلع 2025.

ويُلزم القانون أصحاب العمل بعدم تجاوز 40 ساعة أساسية و12 ساعة إضافية فقط، تحت طائلة الغرامات والعقوبات.

لكن مع تطور قطاعات “التقنيات العميقة” مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، أطلقت الحكومة الكورية مطلع العام برنامجاً يسمح، بشروط خاصة، بزيادة الساعات إلى 64 أسبوعياً، شرط موافقة العامل والجهات التنظيمية.

ورغم ذلك، لم تُقدِم سوى قلة من الشركات على الاستفادة من هذه الاستثناءات.

الابتكار لا يعرف الساعة

يقول يونغكوان لي، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار بلو بوينت بارتنرز، إن هذا التقييد يمثل تحدياً حقيقياً أمام شركات التقنية الناشئة.

واضاف: “في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، لا يمكن الابتكار ضمن جدول زمني ثابت. المراحل الأولى من النمو تتطلب عملاً مكثفاً وساعات طويلة لتحقيق التقدم”.

يرى بوهيونغ كيم، المدير التقني لشركة LeMong المدعومة من “إل جي”، أن النظام الحالي يحدّ من الإبداع أكثر مما يحمي العمال، موضحاً: “المهندس لا يعمل بالساعة، بل بالعصف الذهني. عندما يأتي الإلهام، لا يمكنك أن توقفه لأن القانون يطلب منك المغادرة”.

المرونة هي المطلب الأول

يقترح شريك في شركة هويونغ لي، نظاماً أكثر مرونة، قائلاً إن تحديد الساعات على أساس شهري سيكون أكثر واقعية.

وتابع: “قبل إطلاق منتج جديد نعمل أكثر من 60 ساعة أسبوعياً، وبعد الإطلاق تقلّ الساعات إلى 40. المتوسط يبقى في حدود 52، لكن النظام الحالي لا يسمح بذلك”.

ويرى الخبراء أن هذه المرونة ضرورية خصوصاً للشركات الصغيرة التي تضم أقل من 20 موظفاً، إذ يصعب عليها الالتزام الصارم بالقوانين المطبقة على الشركات الكبرى.

أداء مرتفع وساعات أطول

ويشير كيم إلى أن العاملين الأكثر إنتاجية هم عادة من يقضون وقتاً أطول في العمل، دون انتظار مقابل مباشر، بل سعياً لتحقيق نتائج ملموسة أو الحصول على مكافآت أو أسهم في الشركة.

ورغم أن شركات التقنية المتقدمة قادرة على التكيف مع القوانين، فإن القطاعات كثيفة العمالة مثل التصنيع أو الخدمات اللوجستية تعاني أكثر، فزيادة الأجور الإضافية والإجازات المدفوعة ترفع الكلفة التشغيلية وتحدّ من الإنتاجية، بحسب أحد المستثمرين في رأس المال المغامر.

كيف تعمل الدول الأخرى؟

في المقابل، تُظهر مقارنة عالمية أن كوريا الجنوبية تقع في المنتصف بين النماذج الآسيوية والغربية:

– في أوروبا، تتراوح ساعات العمل بين 33 و48 ساعة أسبوعياً.

– في الولايات المتحدة وكندا، يبلغ المتوسط 40 ساعة مع أجر إضافي بعد ذلك.

– في الصين، تُدفع الساعات الإضافية بنسبة تصل إلى 300% في العطل الرسمية.

– أما في سنغافورة، فيُسمح بـ44 ساعة أسبوعياً مع سقف 72 ساعة إضافية شهرياً.