في كل عام، نسترجع ذكرى أكتوبر المجيدة، اليوم الذي تجسدت فيه معاني العزة والكرامة، اليوم الذي خط فيه أبطالنا البواسل ملحمة العبور العظيم، مسجلين صفحة خالدة من الشرف والفداء، يوم استعادت فيه مصر حريتها وأراضيها كاملة وكرامتها، وأثبتت للعالم أجمع أن الإرادة المصرية لا تعرف المستحيل، وأن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بالقوة.
لكن، وسط أجواء الاحتفال، يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري: لماذا نحتفل بذكرى النصر بالتوقف عن العمل؟ أليس من الأجدر أن نحيي هذه الذكرى بالعطاء والإنتاج، بدلًا من الاكتفاء بالراحة والاسترخاء؟
الفكرة ليست في التقليل من قيمة الاحتفال، بل على العكس تمامًا، يجب ترسيخ هذه القيمة، ولكن مع تحويلها إلى معنى أكثر نضجًا وإيجابية، فكما جاهد الجنود الأبطال بالأمس لتحرير الأرض، يجب علينا اليوم أن نكمل المسيرة بالعمل الجاد والاجتهاد لبناء الوطن.
النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد أيام الإجازة، بل بما نقدمه من إسهامات في سبيل نهضة البلاد وتقدمها، فهل هناك ما يمنع من تحويل السادس من أكتوبر إلى يوم للعمل الوطني بدلًا من مجرد إجازة رسمية؟ يوم يشارك فيه الجميع، موظفين، طلاب، عمال وفنيين، في مبادرات رمزية تعبر عن روح الانتماء والولاء، يمكن للدولة أن تخصص نصف أجر هذا اليوم لدعم المشروعات القومية أو إنشاء مصانع جديدة تحمل اسم “مصانع أكتوبر للإنتاج الوطني”، لتصبح الذكرى خالدة بالفعل، لارتباطها بالعطاء المستمر وليس مجرد احتفال عابر، تخيل معي لو أن كل مواطن تبرع بجزء بسيط من أجره في هذا اليوم، كم من المشروعات يمكن أن تبنى، وكم من المصانع ستقام لتفتح أبواب رزق جديدة لشبابنا.
إن التبرع بجزء من الراتب ليس عبئًا، بل هو شرف يوازي شرف الدفاع عن الوطن، لأن من يبني اليوم هو امتداد لمن حارب بالأمس، وبالطبع، ليس من ضحى بالمال كمن ضحى بالدماء، ولكنني أقصد الرمزية، قيمة الوطن والعطاء.
بهذه الطريقة، يتحول الاحتفال إلى مشاركة حقيقية في بناء مستقبل واعد ومصر الحديثة، ويصبح السادس من أكتوبر رمزًا متجددًا للنصر، ليس فقط في الميدان العسكري، بل أيضًا في ميدان التنمية والاقتصاد.
من نصر السلاح إلى نصر الإنتاج والعمل ودور المدارس والجامعات فيه
لترسيخ هذا المعنى، يمكن للمؤسسات التعليمية والجامعات تنظيم فعاليات توعوية تربط بين نصر أكتوبر وقيمة العمل، ليتعلم الطلاب أن الكرامة لا تُسترد إلا بالجهد، وأن الانتصار الحقيقي هو استمرار البناء، كما يمكن للإعلام أن يسلط الضوء على هذه الفكرة من خلال حملات تحمل شعار “من نصر السلاح إلى نصر الإنتاج”، لتؤكد أن روح أكتوبر لا تزال تنبض في كل مشروع، وفي كل يد تعمل بإخلاص.
فالوطن الغالي الذي انتصر بالسلاح، يستحق أن ينتصر اليوم بالإنتاج، والأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل حرية الأرض، ينتظرون منا أن نحافظ على ما ضحوا من أجله، وأن نحمي إنجازهم بالعمل والوفاء، لذلك، ليتنا نحول هذا اليوم إلى رمز للعطاء لا التوقف، وللإنتاج لا الراحة، فالنصر لا يُحتفل به فقط، بل يُصان بالجهد في كل يوم، إليكم بعض الأفكار التي قد تكون عملية.
- تحويل يوم 6 أكتوبر من يوم راحة إلى “يوم العمل الوطني”، تشارك فيه جميع المؤسسات الصناعية والتجارية وجميع مؤسسات الدولة بمبادرات إنتاجية رمزية.
- تخصيص نصف أجر اليوم أو العمل نصف يوم، وتخصيص هذا المبلغ لصندوق وطني يُوجَّه لبناء مصانع ومشروعات إنتاجية جديدة تحمل اسم “أكتوبر التنمية”.
- إطلاق حملات توعية مجتمعية بعنوان “نصرنا بالعطاء” لتشجيع التبرع بجزء من الرواتب لصالح مشروعات الدولة الإنتاجية.
- ربط ذكرى النصر بالعمل والعطاء بروح العمل والانتماء في المدارس والجامعات من خلال التوعية أو الرحلات أو من خلال أنشطة تفاعلية وقصص تحفيزية.
- تنظيم مبادرات وفعاليات عامة تحت شعار “نحتفل بالعمل لا بالإجازة” لتأكيد أن الوفاء الحقيقي لأبطال أكتوبر يكون بالإنجاز لا بالكلمات.
أعتقد، وهو مجرد رأي شخصي، أن الاحتفال بهذه الطريقة يعيد لمعنى النصر عمقه الحقيقي، وهكذا نحدث توافقًا ونربط بين التضحية بالأمس والعمل اليوم، لأن مصر لا تبنى فقط بالذكرى والأماني، بل بسواعد مؤمنة تؤمن أن الاحتفال بالنصر لا يكون بالتوقف عن العمل، بل ببذل الجهد والوقت والرزق لبناء وطن أقوى وأجمل للأجيال القادمة، فالمعنى الأسمى هو العمل ثم العمل، والعطاء والبذل والتضحية والفداء.