الدكتور مصطفى بن شريف/الجزء الثاني
يستفاد من مقتضيات الفصل 47 من الدستور، بأنها تنظم وبشكل صريح وواضح، مسطرة تعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، من طرف الملك، ثم تليها مسطرة تنصيب الحكومة، وفقا لاحكام الفصل 88 من الدستور.
كما بين الفصل 47 من الدستور، كيفية إعفاء عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، التي تكون إما بمبادرة من الملك، بعد استشارة رئيس الحكومة، أو بناء على طلب من رئيس الحكومة بمبادرة منه، أو بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية، والملك هو من يقرر إعفاء عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة، لكونه هو من يملك سلطة التسمية أو التعيين وسلطة الإعفاء بتفويض من الدستور.
كما أن الفصل 47/ الفقرة 5 من الدستور ينص وبشكل صريح، على مبدأ تقديم رئيس الحكومة الاستقالة، التي يترتب عنها إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك، وفي هذه الحالة لا يطرح أي اشكال لانهاء مهام الحكومة، لكن المشكلة في استمرار التحالف الحكومي في تسيير الشأن العام، أمام احتجاجات المعارضة لها.
و يتبين من أحكام الفصل 47 من الدستور، أنها لم تنظم صراحة مسطرة إقالة أو إعفاء رئيس الحكومة من لدن الملك، وهو ما شكل موضوع جدل فقهي، بين من يقول بأن الدستور لا يمنح هذه الإمكانية للملك، وبين رأي مؤيد يرى بأنه لا يوجد في الدستور ما يحول دون اتخاذ الملك لقرار إعفاء رئيس الحكومة.
ونرى من جانبنا، أن خلو الفصل 47 من الدستور، التنصيص على مقتضى إقالة أو إعفاء رئيس الحكومة من لدن الملك، لا يعني ذلك أن الفصل المذكور، يقيد سلطة الملك، وبالتالي لا يجوز له إعفاء رئيس الحكومة، لان الملك وبالنظر إلى كونه رئيس الدولة ويتمتع بسلطات واسعة بتفويض من الدستور ، يمكنه أن يتخذ قرار إعفاء رئيس الحكومة.
ومن المقرر وبموجب الدستور، أن الملك يملك سلطة تسمية وتعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، ولذلك فخلو الفصل 47 من الدستور التنصيص على مسطرة إعفاء رئيس الحكومة ، قد يفسر من طرف بعض من الفقه الدستوري بتطويق الملك دستوريا، و تبعا لذلك عدم جواز إعفاء رئيس الحكومة من لدن الملك.
واعتقد، بأن المشرع الدستوري، وان كان لم يفوض للملك صراحة، ممارسة سلطة إعفاء رئيس الحكومة، فإنه لو أراد تقييد الملك من تلك الآلية، لنص على ذلك صراحة، ولما لم يفعل المشرع الدستوري ما ذكر، يبقى مبدأ الجواز أو الاباحة هما الأصل، ما دام أن الملك هو رئيس الدولة طبقا للفصل 42 من الدستور.
ومن جهة اخرى، ولما كان الملك هو من يمثل سلطة تعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، وبأن الدستور لم يرد في احكامه ما يمنح الملك سلطة إعفاء رئيس الحكومة، فهل يعتبر ذلك اغفالا دستوريا، أم ان المشرع الدستوري تعمد في عدم التنصيص على ذلك صراحة، تطبيقا للمبدأ العام الذي يقضي بأن الأصل هو الاباحة والجواز، وبأن سلطة التسمية هي من تملك أيضا وبالتبعية سلطة الإعفاء، ومن ثم ليس هناك ما يمنع من اتخاذ الملك قرار إعفاء رئيس الحكومة من خارج أحكام الفصل 47 من الدستور.
هذه النظرية، تستمد وجودها من عدة قواعد ومبادىء ، تتمثل فيما يلي:
– أن الملك هو رئيس الدولة؛
– أن الملك يحتكر إمارة المؤمنين؛
– أن الملك هو مصدر السلطة التأسيسية الأصلية (واضع الدستور )؛
– أن الملك هو مالك السلطة التأسيسية الفرعية( حق تعديل الدستور ) .
كما أن الدستور، مكن الملك من ممارسة الولاية العامة في قضايا مصيرية واستراتيجية، من بينها، حماية الدستور، حسن سير المؤسسات الدستورية، صيانة الاختيار الديمقراطي ، وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين والجماعات.
والملك بصفته أميرا للمؤمنين، ورئيسا للدولة، وهو واضع الدستور، وهو من يملك سلطة تعديله، فإنه يملك سلطة تأويل الدستور، استنادا إلى الشرعيات الدينية والتاريخية والدستورية، ولا توجد سلطة أعلى من سلطة الملك، الأمر الذي يسمح له بامكانية اتخاذ قرارات سياسية وسيادية ، ولو لم يرد التنصيص بشانها صراحة في الدستور، ومن بينها حالة إعفاء أو إقالة رئيس الحكومة، كلما تقتضي ذلك المصلحة العامة ، وكذا من أجل دواعي حماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ان إعفاء رئيس الحكومة من لدن الملك، يترتب عنه حل الحكومة بكاملها، وهو ما يعني مواصلتها في تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
لكن، إعفاء رئيس الحكومة وفقا للمسطرة الدستورية، يترتب عنهما تشكيل حكومة جديدة، ووفقا للمنهجية الديمقراطية التي نص عليها الفصل 47 من الدستور ، فإنه يتعين على الملك تعيين رئيس الحكومة الجديد من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وهو حزب التجمع الوطني للاحرار، وهذا التوجه لن يعمل على حلحلة الازمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المغرب، بل ربما أن الوضع سيزداد تأزما وتعقيدا، مما هو عليه حاليا، ولذلك يبقى خيار إعفاء رئيس الحكومة ليس بالحل الامثل، بل أن المرحلة تقتضي الذهاب الى حل مجلس النواب، والذهاب الى تنظيم انتخابات سابقة لاوانها، وهي الإمكانية التي يملكها الملك بموجب الفصل 51 من الدستور .
وتنظيم انتخابات جديدة، يتطلب إصدار قوانين انتخابية جيدة، والاعلان عن احداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، بموجب قانون، والقطع مع الفساد الانتخابي من أجل ضمان انتخابات نزيهة، وأن يتم تحديد معايير قانونية لمن يرغب في الترشح، ومن اهمها إعتماد شرط الاجازة على الاقل بالنسبة لاعضاء مجلس النواب.
– ( يتبع في الحلقة رقم 3 المقبلة) .