يُعد الأنبا بولا أحد أبرز القديسين في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث يُلقب بـ”أول السواح” و”رئيس المتوحدين”، نظرًا لحياته الزهدية في البرية، مبتعدًا عن العالم ومتفرغًا للعبادة. تحتفل الكنيسة بذكرى نياحته اليوم الأحد 9 فبراير، الموافق 2 أمشير في التقويم القبطي، تخليدًا لسيرته الروحية العطرة التي أثرت في الأقباط عبر العصور.
وُلد الأنبا بولا في مدينة طيبة بمصر، وكان له أخ يُدعى بطرس. بعد وفاة والدهما، نشب خلاف بين الأخوين على تقسيم الميراث، لكن أثناء توجههما إلى الحاكم للفصل في النزاع، رأى الأنبا بولا جنازة لرجل ثري، فأدرك فناء المال والعالم. قرر حينها التخلي عن نصيبه من الميراث والتوجه إلى البرية الشرقية، حيث عاش في عزلة روحية تامة لمدة 70 عامًا دون أن يرى وجه إنسان.
عاش الأنبا بولا في مغارة نائية، مكتفيًا بثوب من الليف، وكان الله يرسل له غرابًا يوميًا يحمل له نصف رغيف خبز، كعلامة على العناية الإلهية. ظل على هذا الحال حتى زاره الأنبا أنطونيوس الكبير، الذي اكتشف مكانه بعد إعلان إلهي. وعندما التقى القديسان، أتى الغراب بخبزة كاملة بدلاً من نصفها، علامة على تكريم الله لهذا اللقاء المقدس.
بعد سنوات طويلة من النسك، تنيح الأنبا بولا بسلام، وكان الأنبا أنطونيوس هو من قام بدفنه، إذ وجد بجواره أسدين خرجا من البرية، وحفرا له القبر تعبيرًا عن عظمة قداسته. ومنذ ذلك الحين، يحتفل الأقباط بذكراه سنويًا، مُستلهمين من سيرته أسمى معاني الزهد والاتكال على الله.
يظل الأنبا بولا رمزًا للزهد والطاعة والاتكال على الله، مما جعله يحتل مكانة متميزة في الكنيسة القبطية. ويُعتبر الاحتفال بذكراه مناسبة روحية للتأمل في معاني التضحية والعطاء التي جسدها طوال حياته.