محمد الشيكر: لست سوى باحث يجعل من التدريس فناً

محمد الشيكر: لست سوى باحث يجعل من التدريس فناً

كاتب وباحث في الجماليات، أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة محمد الخامس الرباط، ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها بالمدرسة العليا للأساتذة، ومدير تحرير مجلة “نظرات” الأكاديمية المحكّمة. 

“الشرق” حاورته حول موضوعات النهضة والحداثة والفن المعاصر. 

مسؤوليات أكاديمية وانشغالات متنوّعة، كيف يمكن للقارئ أن يقترب من عالمك المعرفي؟

حسبي أن يُنظر إليّ بوصفي أستاذاً باحثاً: أستاذ يطمحُ إلى أن يجعل من التدريس فناً يفتح الطالب على أفق الاستكشاف، وأيضاً باحثاً لأن هذا التوصيف يُجنبني الادّعاء، ويجعلني بدوري طالِباً مشرّعاً على أفق الاستزادة، منذوراً للبحث والاستكشاف. 

ألا ينسحب هذا التوصيف على الفيلسوف نفسه المُحبّ للحكمة والباحث عنها أبداً؟

نعم، وبهذا المعنى حصراً، يمكن أن نعتبر كل باحث حق فيلسوفاً، وكل فيلسوف غير وثوقي باحثاً. والأصل الاشتقاقي الإغريقي لكلمة فيلسوف يفي بهذا المعنى؛  إذ تتألف الكلمة من مكونين مُعجَمَيين: من جهة “فيليا” وتعني المحبة والإيثار والصداقة؛ و”صوفيا” من جهة أخرى وتعني الحكمة. 

اشتغلت في كتاباتك الفلسفية على الحداثة وما بعدها، وأفردت كتابك الأخير للحديث عن النهضة الغربية وصيروراتها، إلى أين وصلت؟

 تمكّنت عبر اشتغالي على النهضة الغربية وانعطافاتها، من إعادة النظر في المشروع الحداثي، أي مراجعة ذلك التصوّر الميتا – تاريخي، الذي ينظر للحداثة الغربية بوصفها طفرة حضارية شهدها الغرب في مستهل القرن التاسع عشر، من دون مقدمات أو امتدادات.

إن الحداثة الأوروبية لم تتشكّل دفعة واحدة، كما أن داعية الحداثة الغربي لم يكن كائناً متعالياً على الشرط التاريخي، أو مسخاً انبثق من العدم من دون آباء ولا أسلاف، ولا شهادة ميلاد أو نصوص مرجعية.

إن عصر النهضة هو المختبر الحقيقي للحداثة، وهو البذرة الجنينية للبرنامج الحداثي. وضعت النهضة الغربية بين يدي دعاة الحداثة خميرة الميلاد، كما زوّدتهم بالعدّة الذهنية والشروط الموضوعية للتأسيس التاريخي للوعي الحداثي. 

لا أعتقد  أن النهضة الأوروبية – والحكم نفسه ينسحب  في تصوري على الحداثة، كانت نهضة غربية صرفة أو خالصة؛ ألا توافقني الرأي بأنها امتزجت بعناصر غير غربية، كما ساهمت في تشكلها حضارات أخرى غير أوروبية؟

يقول المؤرخ البريطاني جيري بروتن “ليست النهضة سوى أسطورة، فلا هي أوروبية في الصميم كما يُشاع، ولا أسبابها وبواعثها هي مِمّا يُقال”. 

أين العرب من النهضة الأوروبية؟

نحن العرب مشاركون في النهضة الأوروبية، وكعرب ومسلمين، كنا شركاء بشكل أو بآخر في المنجز النهضوي الغربي، وبالنتيجة شركاء في المشروع الحداثي، بالرغم من اعتبار النهضة الغربية الحديثة شأناً أوروبياً استثنائياً أو وقفاً من أوقاف أوروبا الغربية.

فشل سياسات اندماج المهاجرين في أوروبا، المستمدة من العقل الغربي المعرفي والسياسي أصلاً،  فضلاً عما نراه من الصمت اللا معقول عن المجازر في غزة، ما يعني المشاركة في القتل والتهجير والإبادة هناك، ذلك كله يحدث بسبب الفوقية، والمركزية الاستعلائية الغربية، والسردية أحادية الجانب.

يدعونا بروتون، في عمل له عن النهضة الإيطالية، إلى التساؤل ما إذا كان مصطلح النهضة الغربية، هو مجرد تعبير مسكوك اخترعه العقل الغربي “لترسيخ أسطورة مُقنعة عن التفوق الثقافي الأوروبي”. 

يؤكد العالم  الأنثربولوجي جاك جودي بدوره أن الغرب سرق جغرافية العالم ونهب مقدراتها، عبر فرض هيمنته الإمبريالية على كثير من البلدان، وهكذا، سرق تاريخ الإنسانية أيضاً. فعمل على تكريس  مرويته الخاصة عن الأحداث والوقائع التاريخية، وعن سير الأمم وصيرورة الحضارات، جاعلاً منها المروية الوحيدة والحصرية.

هل تتفق مع القول بأن فتوحات وانتصارات الوعي ما بعد الحداثي كانت أبرز وأقوى في مضمار الفن والأدب منها في مجالات وحقول معرفية أخرى؟

 الحقيقة أن منشأ مفهوم ما بعد الحداثة الأوّل وشهادة ميلاده الأصلي، كانا بالأساس في حقلي الفن والأدب.. فقبل أن يسبغ عليه جان فرانسوا ليوطار ملمحاً فلسفياً سنة 1979، استعمله قبله الشاعر الأميركي الشمالي شارلز أولسن سنة 1951.

قبل ليوطار استعمله إيهاب حسن سنة 1971، ليشير به إلى حساسية أدبية جديدة تقوم على بلاغة اللايقين، وتكمن في تداخل الأجناس والأساليب، كما وظّفه جيكنز في مجال الهندسة المعمارية، ليصف به العمارة الجديدة التي أضحت تمزج بين طرز معمارية متنافرة، لا تنهض على وحدة هندسية متناغمة أو متجانسة.

هل يكفي هذا للحديث عن فن ما بعد حداثي، أي الفن المعاصر والتعبيرات البصرية الإنستليشن والفيديو آرت؟ 

تدرج الباحثة السوسيولوجية الفرنسية نتالي هاينيك، التعبيرات البصرية ما بعد الحداثية ضمن ما تسميه نموذج الفن المعاصر، وتشمل تلك التعبيرات مشهدية غير مألوفة؛ مثل الفيديو آرت والإنشاءات والفوتوجرافيا والتعبيرات الرقمية والبودي آرت والسينوغرافيا المشهدية.

فنون ما بعد الحداثة هي بطبيعتها فنون استشكالية. لم  تكتفِ بإعادة النظر في أساليب التعبير والبناء الفني للعمل الإبداعي، بل أعادت النظر في مفهوم الفن، ومحت الفاصل بين الفنان وغير الفنان، ولم تعد تأبه بالمنجز الفني كأثر إبداعي.

ماذا عن المجلة الفصلية المُحكّمة “نظرات” وخطها التحريري وبرنامجها الأكاديمي؟

“نظرات”، هي مجلة فصلية مُحكّمة تصدر عن مركز “نظرات” للدراسات الفلسفية والإنسانية بالرباط، أتشرف بإدارتها بمعية طاقم للتحرير، يضمّ باحثين في السوسيولوجيا والفلسفة والبيداغوجيا، وهيئة علمية استشارية تتألف من كُتّاب ومفكرين عرب. تنشر المجلة البحوث والدراسات الجادة في قضايا الراهن الإبيستمولوجي والفلسفي والإنساني المعاصر. 

مؤلفات الكاتب:

“هايدغر ضد نيتشه”، “هايدغر وسؤال الحداثة”،  “العالم الذهني في “أوراق” لـ عبد الله العروي. “في التلقي الجمالي”،  “الفن في أفق ما بعد الحداثة”، و”النهضة الغربية، ملامح ومدارات”.

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية