الكوليرا.. دراسة تكشف عوامل الخطورة وترفع فرص الوقاية

الكوليرا.. دراسة تكشف عوامل الخطورة وترفع فرص الوقاية

كشفت دراسة حديثة عن العوامل الوراثية التي تجعل البكتيريا المسببة للإصابة بمرض الكوليرا خطيرة للغاية، وذلك باستخدام نهج حسابي متطور، ويقول الباحثون إن نتائج البحث يُمكن أن تكون مفتاحاً للوقاية من هذا الداء القاتل.

الكوليرا مرض إسهالي مميت، لا يزال يهدد الملايين في جميع أنحاء العالم، ويتسبب في وفاة أكثر من 143 ألف حالة سنوياً ويصيب أكثر من 4 ملايين شخص، وعند الإصابة تتطور الأعراض بطرق تجعل المرض أكثر حدة وصعوبة في السيطرة عليه، ويكافح العلماء لتحديد العوامل الجينية الدقيقة التي تزيد من خطورة الداء.

وتنتقل الكوليرا، التي تسببها بكتيريا معروفة باسم ضمة الكوليرا، عن طريق المياه والطعام الملوث، مما يؤدي إلى الإسهال الشديد والجفاف، ويمكن أن تجعل سمات وراثية بعض الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا، بينما تساهم أيضاً في شدة المرض وانتشاره.

مرض الكوليرا والعوامل الوراثية

أحد أكثر العوامل الوراثية شهرة هو فصيلة الدم O، والتي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا الشديدة، وغالباً ما يعاني الأشخاص الذين يحملون هذه الفصيلة من الإسهال الشديد، مما يزيد من احتمالية إفراز البكتيريا بكميات كبيرة، مما يؤدي إلى تلويث مصادر المياه، ويجعل السيطرة على المرض أكثر صعوبة.

ولا يعرف العلماء الكثير عن السمات الجينية المسؤولة عن شدة الكوليرا الناتجة عن هذه السلالات، والتي يعاني بسببها 1 من كل 5 أشخاص مصابين بالكوليرا؛ من حالة شديدة بسبب مجموعة من الأعراض تشمل الإسهال والقيء والجفاف الشديد.

ويقول الباحثون إن الطفرات في جين يسمى CFTR، والتي ترتبط عادة بالتليف الكيسي، لها دوراً في قابلية الإصابة بالكوليرا، ويؤثر هذا الجين على نقل أيونات الكلوريد، وهو أمر بالغ الأهمية لتنظيم السوائل في الجسم.

وفي حين توفر بعض طفرات CFTR بعض الحماية ضد الكوليرا، فإن الطفرات الخفيفة في الحاملين للمرض يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأعراض، مما يساهم في الجفاف الشديد، وفي المجتمعات التي تنتشر فيها طفرات CFTR، قد يكون التعامل مع تفشي الكوليرا أكثر صعوبة؛ بسبب فقدان السوائل المتزايد الذي يعاني منه أولئك الذين يعانون من هذه الطفرات.

كما تتأثر قدرة الجهاز المناعي على الاستجابة للكوليرا بمستضد الكريات البيضاء البشرية المعروف باسم (HLA)، وقد يستجيب الأفراد الذين لديهم أليلات (شكل مختلف من الجينات) معينة بشكل أضعف، مما يسمح للبكتيريا بالبقاء في أنظمتهم لفترات أطول.


ويمكن أن تؤدي هذه العدوى المطولة إلى تساقط البكتيريا في البراز لفترة طويلة، مما يزيد من احتمالية انتشار الكوليرا داخل المجتمعات التي تفتقر إلى الصرف الصحي المناسب.

وتؤثر تعددات الأشكال في جين يسمى مستقبل الإنترلوكين أيضاً على الاستجابة المناعية للكوليرا، وقد يسمح رد الفعل المناعي الأضعف للعدوى بالبقاء لفترة أطول، مما يساهم في انتشار البكتيريا من خلال طرح البراز لفترة طويلة.

ويقول الباحثون إن هناك عاملاً وراثياً آخر هو جين DARC، الذي يشفر مضاد يشارك في استجابات الجهاز المناعي، ويمكن لبعض الطفرات في جين DARC أن تضعف الدفاعات المناعية ضد الالتهابات البكتيرية مثل الكوليرا، مما يؤدي إلى حالات أكثر شدة من المرض.

وعلى الرغم من أن هذه الطفرات قد تحمي من الملاريا، إلا إنها يمكن أن تزيد عن غير قصد من شدة وسهولة انتقال الكوليرا، وخاصة في المناطق التي ينتشر فيها كلا المرضين، وتؤدي هذه السمات الوراثية إلى تعقيد السيطرة على تفشي الكوليرا، وخاصة في المناطق التي تعاني من نقص الصرف الصحي والبنية التحتية للرعاية الصحية.

تفشي الكوليرا

في الدراسة الجديدة المنشورة في دورية “نيتشر كومينكيشن”؛ قام الباحثون أيضاً بتحليل عينات بكتيرية من مرضى الكوليرا في ست مناطق في بنجلاديش، تم جمعها بين عامي 2015 و2021، وحددوا مجموعة من الجينات والطفرات الفريدة في أحدث سلالة مهيمنة من ضمة الكوليرا المسؤولة عن تفشي المرض المدمر في عام 2022.

وتمتلك تلك السلالة من ضمة الكوليرا العديد من الجينات والطفرات الفريدة، التي تساهم في قدرتها على التسبب في مرض شديد وانتشاره على نطاق واسع.

وتقول الدراسة إن أحد العناصر الوراثية الأساسية هو وجود البكتيريا العاثية CTXΦ، التي تحمل جينات ctxAB المسؤولة عن إنتاج سموم الكوليرا، ويعطل هذا السم نقل الأيونات في الأمعاء، مما يؤدي إلى الإسهال الشديد المميز للكوليرا.

وفي السلالة التي تسببت في فاشية مرض بنجلاديش كان إنتاج سموم الكوليرا أعلى من السلالات الكلاسيكية، مما أدى إلى جفاف أكثر عدوانية وأمراض أكثر شدة، كما كان هناك عامل حاسم آخر يتمثل في وجود الجينات التي تشفر الشعرة المنظمة بالسم؛ وهي بنية ضرورية للاستعمار في الأمعاء الدقيقة.

وتساعد تلك الجينات، البكتيريا على الالتصاق ببطانة الأمعاء، مما يسمح لها بالتكاثر والانتشار، وقد أدت الطفرات في الجينات المرتبطة بتلك السلالة إلى تعزيز قدرتها على الاستعمار والبقاء في مجموعة متنوعة من البيئات، الأمر الذي ساهم في هيمنتها في تفشي الكوليرا مؤخراً.

اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً

الكوليرا تضرب كينيا بعد أسابيع من الفيضانات

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها، الأربعاء، بعد الإبلاغ عن عشرات حالات الإصابة بالكوليرا في كينيا، بعد أسابيع من الأمطار الغزيرة والفيضانات.

ويقول الباحثون إن الطفرة في جين يسمى hapR، والذي يحدد نظام الاستشعار في ضمة الكوليرا؛ مهمة أيضاً، إذ تعمل هذه الطفرة على تعطيل آلية استشعار النصاب الطبيعية، مما يسمح للبكتيريا بالبقاء في حالة شديدة الضراوة حتى عندما تكون كثافة الخلايا البكتيرية منخفضة، ونتيجة لذلك، يمكن للسلالات التي تتمتع بتلك الطفرة في الحفاظ على ضراوتها في وقت مبكر من عملية العدوى، مما يزيد من قدرتها على التسبب في المرض والبقاء في بيئات مختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب جين يسمى toxT في بعض السلالات دوراً حاسماً في تنظيم إنتاج سموم الكوليرا كما يجعلها أكثر مقاومة للإشارات البيئية، مثل أملاح الصفراء في الأمعاء، ويتيح هذا التنظيم المتزايد للبكتيريا التكيف بسرعة مع ظروف المضيف، مما يعزز قدرتها على التسبب في المرض في ظل ظروف مختلفة.

الأسرار الجينية للبكتيريا المسببة للكوليرا

جمع البحث المبتكر بين التعلم الآلي، وعلم الجينوم، والنمذجة الأيضية على نطاق الجينوم والتحليل الهيكلي ثلاثي الأبعاد للكشف عن الأسرار الجينية للبكتيريا المسببة للكوليرا.

والنمذجة الأيضية تقنية تستخدم لمحاكاة ودراسة عمليات الأيض داخل الخلية بناءً على المعلومات الجينية، وفي هذه الدراسة، يتم استخدام نماذج الأيض على نطاق الجينوم لفهم كيف تقوم البكتيريا بتحويل الطاقة والمواد الغذائية داخل خلاياها، مما يمكن أن يساعد في اكتشاف طرق لقطع أو إعاقة هذه العمليات لإضعاف البكتيريا أو منع انتشارها.

واستخدم الباحثون خوارزميات الحاسوب لتحليل البيانات الجينية للبكتيريا وتحديد الجينات أو العوامل التي قد تسهم في قدرتها على التسبب بالمرض والانتشار، كما تم يتم تحليل جينوم بكتيريا الكوليرا لاكتشاف الجينات التي تسهم في مقاومتها للعوامل البيئية، أو في تعزيز قدرة البكتيريا على إصابة الإنسان.

اقرأ أيضاًarticle image
اقرأ أيضاً

“الصحة العالمية” تجيز استخدام لقاح مبسط ضد الكوليرا

أجازت منظمة الصحة العالمية نسخة مبسطة من لقاح فموي ضد مرض الكوليرا، ما سيتيح زيادة الإنتاج الإجمالي من هذه اللقاحات في ظل الانتشار الكبير للفيروس في العالم.

كما قام الباحثون بدراسة الهياكل ثلاثية الأبعاد للبروتينات والجزيئات الأخرى في البكتيريا، ما أتاح لهم هذا التحليل فهم كيف تتفاعل البروتينات والجزيئات مع بعضها البعض، وكيف يمكن استهدافها بالأدوية لتقليل فعاليتها أو منعها من القيام بوظائفها الحيوية التي تسهم في المرض.

أعراض الكوليرا الشديدة

وترتبط هذه السمات الوراثية بقدرة البكتيريا على التسبب في أعراض شديدة مثل الإسهال المطول، وآلام البطن الشديدة، والقيء، والجفاف وهي أعراض يمكن أن تؤدي إلى الوفاة في الحالات الشديدة.

وكشفت نتائج الدراسة أن بعض هذه السمات المسببة للأمراض تتداخل مع تلك التي تساعد البكتيريا على الانتشار بسهولة أكبر، وتُظهر النتائج كيف تمكن هذه العوامل الوراثية، بكتيريا ضمة الكوليرا من البقاء على قيد الحياة في أمعاء الإنسان، مما يجعلها أكثر مرونة في مواجهة الضغوط البيئية وأكثر كفاءة في التسبب في المرض.

ويسلط هذا البحث الضوء على التفاعلات المعقدة بين التركيبة الوراثية للبكتيريا، وقدرتها على التسبب في مرض شديد.

ويقول الباحثون إن الإطار الحسابي الجديد المستخدم في تلك الدراسة خطوة كبيرة إلى الأمام في مكافحة الكوليرا، فمن خلال تحديد العوامل الوراثية الرئيسية التي تجعل ضمة الكوليرا أكثر خطورة، يمكن للعلماء تطوير علاجات أفضل واستراتيجيات أكثر استهدافاً للسيطرة على تفشي المرض ومنعه في المستقبل.

وبحسب المؤلفة الرئيسية للدراسة “تانيا دوتوريني” الباحثة في جامعة نوتنجهام، فإن النتائج تفتح الباب أمام عصر جديد من أبحاث الكوليرا، إذ يمكننا تطوير أدوات للتنبؤ بالتفشي الشديد ومنعه قبل حدوثه “والهدف النهائي هو ترجمة هذه الأفكار إلى حلول واقعية تحمي الفئات السكانية الضعيفة”.

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية