عمرها 3 آلاف عام.. معالم تونس الأثرية خارج التغطية

عمرها 3 آلاف عام.. معالم تونس الأثرية خارج التغطية

تاريخ ضارب في القدم، عدد ضخم من المعالم الأثرية، حضارة تعود إلى 3 آلاف عام، لكن تونس تشهد واقعاً مأساوياً ممثّلاً في انهيار معالمها التاريخية، وضياع آثارها، نتيجة الإهمال والتهميش وغيره.

“الشرق” سوف تُعرّف بتاريخ بعض هذه المواقع الأثرية، وواقعها المزري، وتستمع لآراء المختصين في التاريخ والآثار.

سور القيروان: مدينة فقدت تاريخها 

لمحافظة القيروان التي تأسّست في القرن السابع الميلادي سور يحميها، هو بمثابة خاصرتها وعنوان كبرياءها التاريخي، وهو يمتدّ على مسافة 3 كيلومتر. 

 وعلى الرغم من أنها مدينة أنجبت العديد من الرسامين والمسرحيين والسينمائيين والشعراء، فضلاً عن عمقها الروحي ودورها الديني المهم، وإدراجها على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 1988، بوصفها من أقدم العواصم الإسلامية، “إلا أنها بقيت مهمّشة ومنسية”، هكذا يروي أهلها والعديد من النشطاء في جمعية صيانة المدينة التي يرأسها المؤرّخ مراد الرماح.

لا شيء في الحاضر يعزّز مكانتها سوى قوّة رمزيتها التاريخية في الأذهان، لكن مأساتها منذ اللحظة التي باتت تفتقد فيها هذا البريق، فالعام الماضي كان سورها العملاق المرتفع سقط سقوطاً مروّعاً، مخلفاً قتلى وجرحى من عمّال أبرياء، كانوا بصدد ترميمه بقرار من وزارة الثقافة التونسية.

ومعلوم أن سور القيروان، تمّ تشييده منذ أكثر من ألف عام، ويضم 8 أبواب أشهرها باب الجلادين.

عالم الآثار الدكتور رياض المرابط قال لـ “الشرق”: ” عمر سور القيروان يعود إلى سنة 50 هجري/ 670 ميلادي”، وسبب انهياره هو خطأ مهني، بعد أن تمّ التعامل معه مثل أي مبنى عادي”.

سقط هذا السور في تلك اللحظة من بداية ترميمه وكأنه كان ينتظر منذ سنوات، إلى أن تدخّلت سلطنة عُمان باعتماد مالي كبير، من أجل صيانته، لكن من دون جدوى.

وزارة الشؤون الثقافية التي سارعت إلى البحث حول من  ستحمّله المسؤولية، لم تقل مطلقاً لماذا بدأت عملية الترميم متأخّرة بسنوات، لكن الدكتور رياض المرابط قال: “إن المعهد الوطني للتراث يعمل من دون إمكانيات”. 

ومع تواصل الجدل حول كارثة هذا السور التي أفضت إلى محاكمة المهندس المكلف بعميلة الترميم، تبقى القيروان مدينة شبه عارية وبلا تاريخ، حزينة على سورها، أمام عجز الدولة عن توفير الإمكانات اللازمة.

قصور  الصحراء: من تصوير الفيلم العالمي حرب النجوم إلى النسيان  

في الجنوب التونسي، هناك أكثر من 150 قصراً أثرياً مهدّداً بالاندثار، منها “قصر الدويرات” و”قصور أولاد سلطان” و”قصر غيلان” و”قصر الحدادة”. 

“الشرق” حاورت المؤرّخ التونسي محمد ذويب حول تاريخ هذه القصور فقال:

“توجد القصور الصحراوية في بعض المحافظات الجنوبية مثل مدنين وتطاوين ومطماطة التابعة لمحافظة قابس، تعود ملكيتها إلى القبائل البربرية الأمازيغية القديمة التي كانت متحصّنة بالجبال”. 

وأوضح أن “هذه القبائل كانت تحتمي في تلك القصور التي اتخذتها حصوناً، خوفاً من الغزوات العربية القديمة، في القرن الحادي عشر. في وقت لاحق تحوّلت هذه القصور إلى مركز لتجميع الحبوب والتمور والتغذية، كما مثّلت دوراً تعليمياً كبيراً من خلال استغلالها كفضاءات للتعليم بعد الاستقلال”.

وحذّر من أن هذه القصور “فقدت دورها أثناء تشكّل المعمار الحديث، وأغلبها الآن مهدد بالسقوط والتدمير بعد أن تحوّلت إلى مصبّ للفضلات”.

عدم الاستفادة من التاريخ

فوّت التونسيون على أنفسهم استغلال هذه القصور للدعاية السياحية والثقافية، وربما تناسى البعض أن الفيلم العالمي “حرب النجوم” للمخرج الأميركي جورج لوكاس جرى تصويره هناك. 

عام 2020، تمّ إدراج هذه القصور ضمن القائمة التمهيدية للتراث العالمي لليونسكو، لكن حتى الآن لم يحدث الأمر بشكل رسمي، خصوصاً أنها بدأت تتداعى من دون ترميم  أو اهتمام من قبل السلطات التونسية.

 الكراكة: من حصن إلى سجن  إلى مسرح ثمّ لاشيء 

للمعلم الأثري الكراكة بمدينة حلق الوادي التونسية، تاريخ ضارب في القدم، كان حصناً مهيباً فيه برج للمراقبة أثناء حكم الإسبانيين بعد غزوهم تونس سنة 1535 بقيادة الإمبراطور شارل الخامس.

 سرعان ما أصبح الكراكة، ثكنة عسكرية، لكنه تحوّل إلى سجن عملاق في أزمنة الحكم العثماني، إذ يتمّ فيه سجن أصحاب الأحكام الطويلة ويعذّبون، ويقال إن قائد الثورة الشعبية التونسية علي بن غذاهم قد سُجن هناك.

هذا المعلم قريب جداً من ميناء مدينة حلق الوادي الساحرة، تلك المدينة الشعبية التي يكون بحرها متاحاً للجميع من فقراء الناس وأثريائهم. 

بعد استقلال تونس أصبح هذا المعلم في رعاية مؤسسة المعهد الوطني للتراث، الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية، ثم تحوّل فيما بعد إلى مسرح كبير تقام فيه فعاليات مهرجان البحر الأبيض المتوسط.

جاءت “الثورة” التونسية فعمّت الفوضى، استغلّت بعض العائلات هذا الأمر، فاستولت على المكان، واتخذته مسكناً لها، واستغلّ بعض التجار الأمكنة المجاورة له، فاتخذوها سبيلاً لتجارتهم، وعمّت الفوضى بشكل بشع هناك. 

تطاولت بعض الأيادي العابثة، وخلعت أبواب المعلم، بينما علت العديد من الأصوات القائلة بأن هناك حفريات عشوائية بالمكان وسرقة تحف فنية.

 أمام هذا الأمر، نشر المعهد الوطني للتراث بلاغاً قال فيه: “اقتصرت الانتهاكات على خلع كل الأبواب وتكسير جزء من الجدار الذي كان يحمي أحد هذه الأبواب كمنفذ من منافذ القلعة”، ونصّ البلاغ على أن “المصالح المختصّة بالمعهد الوطني للتراث، تولّت سابقاً نقل كل البقايا الأثرية المتأتية من الحفريات التي أنجزت بين سنتي 2009 و2011 إلى مخازن المعهد”.

يعبّر اليوم العديد من الفنانين في تونس عن استيائهم، فهذا المعلم الذي تحوّل إلى مسرح تمّ إغلاقه اليوم بحجّة الصيانة، أما مهرجان البحر الأبيض المتوسط، فانتقلت فعالياته إلى مكان آخر، وهو مكان لا يتوفّر على مكان لتقديم الحفلات الموسيقية أو العروض المسرحية، ما ألحق ضرراً كبيراً بمدينة حلق الوادي على المستويين الثقافي والسياحي.

هل تكون الدولة عاجزة عن حماية آثارها؟  

سوف يوثّق الكتاب الذي حمل العنوان التالي “تشريعات للثقافة: تونس من 1956 إلى 2016″، أصدرته جمعية مهرجان الربيع في تونس، لكل النصوص القانونية الصادرة رسمياً عن الجمهورية التونسية، فيما يختصّ بالنشاط الثقافي.

الطريف والمثير للاستغراب هو صدور حوالي 156 أمراً قانونياً منذ الاستقلال إلى الآن، من قِبل الدولة التونسية، يتعلّق بموضوع التراث والآثار والتهيئة العمرانية، وهو رقم ضخم من القوانين، في مقابل هذا العجز الحالي في حماية المواقع الأثرية أو استثمارها ثقافياً وسياحياً.

فهل تكون الدولة التونسية عاجزة عن حماية تاريخها، بالرغم من أن له حصانة قانونية قوية، أم أن الفساد عمّ في البلاد، أم هل هو العقل الثقافي بات متقاعساً؟ 

ليست تلك المواقع التي ذكرناها وحدها من يطالها الخراب، بل هناك العشرات من المواقع الأخرى التي تمتنع وزارة الشؤون الثقافية حتى على تسليمها للمثقفين، بغاية ترميمها واستثمارها كفضاءات ثقافية.

فهل نقول وداعاً لتاريخ يعود إلى 3000 سنة مضت؟  

وسوم:

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية