العدد الأكبر منذ 55 عاماً.. النساء تقتحمن “بوكر” العالمية

العدد الأكبر منذ 55 عاماً.. النساء تقتحمن “بوكر” العالمية

ليس غريباً أن تكون اللغة الإنجليزية عالمية وأكثر انتشاراً، ليس لجهة عدد مَن ارتضاها لغةً للكلام والتواصل، بل لأنها تُظهر ذلك على مستوى الإبداع الأدبي. 

وتؤكد اللائحة القصيرة لجائزة “بوكر” العالمية البريطانية المنشأ، هذا المنحى بشكل واضح، من خلال إلقاء نظرة على اختياراتها الروائية للعام 2024.  

ضمّت القائمة القصيرة 6 روايات قادمة من خمس دول: أميركا، وهولندا، وإنجلترا، وكندا، وأستراليا. ما يعني جغرافياً أدباً يربط بين 3 قارّات متباعدة، بين شرق الأرض وغربها. 

جغرافياً لم تغفل لجنة الجائزة الإشارة في موقعها الإلكتروني إلى ذلك قائلة: “من مسافة 354 كيلومتراً فوق الأرض، إلى شبكة من الكهوف تحت الريف الفرنسي، ومن ميادين معركة الحرب العالمية الأولى، إلى ملاذٍ روحي في المناطق الريفية الأسترالية، ومن الجنوب العميق لأميركا في القرن التاسع عشر، إلى منزل هولندي معزول في أوائل الستينيات”. 

5 كاتبات مرشّحات  

لكن الجديد في هذه اللائحة هو أنها، على عكس ما كان معهوداً، تضم 5 كاتبات من بين 6 مرشّحين، وهو العدد الأكبر في تاريخ الجائزة منذ 55 عاماً، أي منذ تأسيسها عام 1969، حيث فازت بها عشرون كاتبة فقط من قبل. 

هذا الأمر يكرّس مرّة جديدة الحضور النسوي في مجال الأدب، يتماشى مع الحركات العالمية الداعمة، التي تُنادي بمنح المرأة دوراً أكبر في جميع المجالات. وهو ما يجعل المسابقة تتسم بتشويق خاص وغير مسبوق، يتجاوز المعطى الأدبي الخالص.

 يدفعنا ذلك للسؤال: ماذا لو فاز الرجل الوحيد في اللائحة بالجائزة؟ كل التأويلات ممكنة حينها، وأبرزها مدى ارتباط قوّة الإبداع بجنس كاتبه وأثره. 

وبانتظار النتيجة التي ستعلَن في 12 نوفمبر، نتعرّف على هذه الروايات المختارة.

 يرى رئيس لجنة تحكيم الجائزة لعام 2024، الكاتب والفنان الإنجليزي إدموند دي وول، “أن مبررات اختيارات اللجنة، تتجلى في أن الكتب جعلتنا نرغب في مواصلة القراءة، والاتصال بأصدقائنا للحديث عنها، وألهمتنا للكتابة، أو لتأليف الموسيقى، أو للعودة إلى فنون الخزف”. 

هي إذن قوة العاطفة في المحكي، وأثرها الذي يحدّد الاختيارات. لكن يبقى السؤال المطروح حول غياب الأدب العربي، والأفريقي، والآسيوي المكتوب باللغة الإنجليزية.  

قضايا الذات والأرض  

إجمالاً، تظل الجائزة وفيّة للروايات التي تركّز على موضوعات مثل الإشادة بالمعطى الإنساني الوجودي، أو الصراع من أجل إثبات الذات أمام العوامل التي تُعاكس نماءها وتألقها، سواء كانت هذه العوامل ذاتية داخلية أو موضوعية خارجية، أو المجابهة أمام أخطار الانسلاخ والاقتلاع للفرد من أرضه ومسكنه.

هذا ما عبّرت عنه لجنة التحكيم بقولها: “الروايات تساءل في نظرنا كيف نُخفي هويتنا الحقيقية عن الذين حولنا، وطبيعة الحقيقة التي يتم النزاع حولها؛ وكيف تشكلنا وتقيّدنا القصص المؤلمة – الشخصية والجماعية – وتلاحقنا أينما ذهبنا.. كل واحدة منها تستكشف القوى الجاذبة التي يمارسها علينا المكان الذي نُطلق عليه اسم وطننا. العديد من الشخصيات الرئيسة جُرّدت من جذورها.”  

إرث الماضي الثقيل  

في هذا الإطار، تناولت رواية “جيمس” للكاتب الأفريقي بيرسيفال إيفريت، المولود عام 1956، قضية العبودية من خلال إعادة قراءة لرائعة أب الأدب الأميركي مارك توين “مغامرات هاكلبيري فين”. 

 اختار الكاتب شخصية جيم الشخص الملوّن، الذي علم بأنه سيُباع لرجل آخر، ما يعني فراقه عن زوجته وابنته، فقرر الاختباء والتخطيط للهروب. وهنا تبدأ مغامراته. 

وبينما يُصوّر جيم في هاكلبري فين بأنه جاهل ومصاب بالخرافات بطريقة تدعو للضحك، فإن جيم في رواية إيفريت هو مثقف محبّ للكتب، يوظّف في أحلامه أحاديث مع فولتير وجون لوك، ويطمح لكتابة روايته الخاصة يوما ما.. 

رواية “عالق” للشاعرة الأميركية آن مايكلز، تأخذ القارئ في رحلة عبر أربعة أجيال منذ الحرب العالمية الأولى. صحيفة “واشنطن بوست” وصفت الرواية بأنها “تستكشف كيفية ازدهار علاقة حميمية عميقة خلال فترات الحزن والاضطراب. وهي قد تكون واحدة من أكثر الكتب رومانسية.. والأكثر شاعرية، ليس فقط من لجهة المشاعر، وإنما لجهة الشكل أيضاً.” 

الحرب العالمية الثانية 

كما اختارت لجنة “بوكر” رواية أولى للكاتبة الهولندية يانيل فان دير وودن، بعنوان “محفوظ بأمان”، تتناول تأثير الحرب العالمية الثانية في قرية هولندية، حيث تمّ ردم الحفر التي خلّفتها القنابل، لكن الحفر النفسية التي أحدثتها في الناس الذين عاشوا ويلاتها بقيت ماثلة، من خلال قصة امرأتين مختلفتين في كل شيء، تكتشف إحداهما، وهي البطلة، اختفاءً تدريجياً لأواني مطبخ قديمة، فتسعى لمعرفة السبب.  

سؤال الوجود  

يلخص رئيس لجنة “بوكر” رواية الكاتبة الأسترالية المعروفة شارلوت وود “حجر الحديقة المعبود”، بأنها “تحكي رحلة داخلية لامرأة تسعى لفهم العالم، ووضع معنى لحياتها في عالم مليء بالصراعات. أحداث الرواية تدور في دير ريفي في أستراليا، وهي استجواب حاد وفلسفي للتاريخ، الذاكرة، الطبيعة، والوجود البشري”.

هكذا تجد المرأة نفسها عرضة لهذه الأسئلة إثر وقائع غريبة: غزو كبير للفئران، ظهور هيكل عظمي لراهبة مختفية، بروز عوامل تُذكّرها بحياتها الماضية.  

الأسئلة الوجودية نفسها تطرحها الشخصيات الست في رواية “مداري، يوم واحد و 16 ساعة” لسامانثا هارفي، المولودة في إنجلترا عام 1975.

 تدور القصّة حول روّاد فضاء يعيشون في محطة الفضاء الدولية. كل واحد منهم يعيش مع همومه الشخصية، كما لو أن فراغ الفضاء اللانهائي والابتعاد عن الأرض قد أحياها داخلهم، وكأن الأسئلة الوجودية لا تُطرح إلا حين تغيب الحياة الصاخبة بالحركة، ويتلاشى الإحساس بمرور الزمن سريعاً.

 “إنها رواية تأمّلية يمتزج فيها الحزن بالسخرية. أسلوبها الأدبي العائم يُقدّم رحلة شعرية إلى الفضاء بجانب هذه الشخصيات الست الباحثة عن المعنى”.. كما ورد على الغلاف الرابع للترجمة الفرنسية للرواية عن (دار فلاماريون).

تمويل الجائزة

على عكس جائزة “غونكور” الفرنسية، التي تمنح الفائز 10 يوروهات فقط، يُمنح الفائز بجائزة “بوكر” 58 ألف يورو. ويعود هذا الفرق إلى أن “بوكر” لها مموّل يملك الموارد المالية اللازمة.

 في البداية كان المموّل هو شركة “بوكر”، وهو واحد من أكبر تجار الأغذية في بريطانيا، ثم أصبحت مموّلة من قِبل مجموعة “مان” (Man Group). 

أما حالياً، فالجائزة تموّلها مؤسسة “كراكستارت” الخيرية الأميركية، التي أسسها ملياردير من وادي السيليكون، بحسب مجلة “الإكسبرس” الفرنسية (2019). 

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية