استطلاعات الرأي.. “صناعة مأزومة” تحدد أولويات حملات الانتخابات الأميركية – ترند نيوز

استطلاعات الرأي.. “صناعة مأزومة” تحدد أولويات حملات الانتخابات الأميركية – ترند نيوز

يزدحم المشهد السياسي في الولايات المتحدة بمئات استطلاعات الرأي تفصيلية النتائج عن السباق إلى البيت الأبيض 2024. وبينما كانت تستخدم الاستطلاعات قديماً لإحصاء عدد الحضور، فإنها تُعد اليوم طريقة أساسية لاكتشاف ما يعرفه الجمهور، ويفكر فيه، ويريده.

ورغم أن الثقة في الاستطلاعات اهتزت بدرجة كبيرة، نتيجة الأخطاء التي وقعت في انتخابات 2016 و2020، إلا أن الخبراء يشددون على أهمية استطلاعات الرأي المستقلة والموثوقة في دعم العملية الديمقراطية، إذ توفر بيانات حيوية بشأن توجهات الناخبين تجاه القضايا الأساسية.

فكيف تعمل استطلاعات الرأي؟ وما مدى دقتها؟

عندما توفي جورج جالوب، الأكثر شهرة في مجال صناعة استطلاعات الرأي في عام 1984، عن عمر يناهز 82 عاماً، كتبت مجلة “تايم” الأميركية: “قد لا يكون دائماً على حق، لكن محاولته لقياس ما يريده الأميركيون غيّرت أنظمة السياسة في البلاد بشكل دائم”.

عندما توقع في استطلاعات الرأي فوز الجمهوري، توماس ديوي، على الديمقراطي، هاري ترومان، في انتخابات الرئاسة 1948، أخفق جالوب بشكل كبير، ونشرت صحيفة “شيكاجو ديلي تريبيون”، قبل يوم واحد من ظهور النتائج، عنواناً رئيسياً على صفحتها الأولى يقول: “ديوي يهزم ترومان”، لكن الخاسر في الاستطلاع تفوق في الواقع على خصمه بشكل مريح.

اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً

استطلاع: الأميركيون ينظرون إلى هاريس بشكل أكثر إيجابية مقارنة بترمب

أظهر استطلاع للرأي أن الناخبين الأميركيين ينظرون إلى كامالا هاريس بشكل “أكثر إيجابية” بقليل، مما كانوا عليه بعد انسحاب بايدن من الانتخابات.

وكان هناك هامش خطأ في الاستطلاعات، كما هو المعتاد، وذهبت جميع المؤشرات تقريباً لصالح، ديوي، لكن الإقبال العالي للناخبين كان دائماً يساعد مرشحي الحزب الديمقراطي، حسبما قال أستاذ التاريخ السياسي بجامعة ويسكونسن، جوناثن كاسباريك لـ”الشرق”.

ولأن إقبال الناخبين يزداد في بعض الدورات الانتخابية، ويتراجع في بعضها، أصبحت معادلة الأرقام أكثر تعقيداً من بين متغيرات أخرى، وزادت احتمالية وقوع الاستطلاعات  في هامش أخطاء كبير.

كيف تستمر الصناعة المأزومة؟

في عامي 2016 و2020، قلّلت استطلاعات رأي عدة من قوة المرشح الجمهوري دونالد ترمب، مقابل منافسته الديمقراطية آنذاك هيلاري كلينتون، لكن نتائج الانتخابات قلبت كافة التوقعات.

وكشفت تلك الأخطاء عن بعض القيود الحقيقية التي تعيب عمليات قياس الرأي، مما دفع القائمين عليها إلى إجراء بعض التغييرات في تصميم العينات، وطريق إجراء المقابلات.

وفي حديثه لـ”الشرق”، وصف أستاذ السياسة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، جون كينيث وايت، صناعة استطلاعات الرأي بأنها “مأزومة، وتواجه مشكلات هائلة”، خاصة في معدلات الاستجابة المنخفضة، وعدم قبول الهواتف المحمولة للمكالمات من الغرباء، لافتاً إلى أن معدلات الخطأ كانت مرتفعة في بعض استطلاعات الرأي على مستوى الولايات الأميركية في عامي 2016 و2020.

وبين 2000 و2022، ارتفعت أعداد المنظمات التي تجري استطلاعات الرأي للانتخابات الأميركية بأكثر من الضعف، ويُشير تقرير لمركز Pew Research إلى أن هذا النمو كان مدفوعاً إلى حد كبير باستخدام الباحثين لأساليب أخذ العينات غير المكلفة.


لكن تحليلات مركز الأبحاث نفسه، أظهرت أن الاستطلاعات التي تعتمد أخذ العينات غير الاحتمالية، قد تحتوي على أخطاء أكبر بمرتين في المتوسط ​​من تلك التي تعتمد على العينات الاحتمالية، ما دفع عدداً من منظمي الاستطلاعات، إلى إجراء تعديلات على المتغيرات المُستخدمة للوصول إلى نتائج دقيقة.

من جانبه، قال الباحث السياسي المتخصص في استطلاعات الرأي الانتخابية، زاك مكيري، في تصريحات لـ”الشرق”، إن دقة استطلاعات الرأي الانتخابية تُحكم عادةً من خلال مدى تطابق الاستطلاعات مع نتائج الانتخابات الرئاسية.

وذكر مكيري، أن سجل الاستطلاعات مع النتائج النهائية يُظهر أنها لا تكون دقيقة بنسبة 100%، ومع ذلك لديها سجل جيد من الدقة، أما ما يمكن وصفه بالإخفاق، فقد جرى عامي 2016 و2020، مشيراً إلى أن الاستطلاعات بالغت في تقدير الدعم للمرشحين الديمقراطيين حينها، إذ “منحت بعض التوقعات الكمية، هيلاري كلينتون، فرصة بنسبة 90% للفوز على ترمب، وكان هناك أزمة بشأن التنبؤ بمن سيصوت فعلاً”.

“وفي 2020 بالغت الاستطلاعات في تقدير هامش جو بايدن على ترمب بنحو 3.9%. وعلى الرغم من المبالغة في تقدير دعمه في استطلاعات الرأي، فاز بايدن في الانتخابات، ولذلك لم تكن أخطاء الاستطلاعات واضحة كما كانت عليه عام 2016″، وفق مكيري.

وشدد الباحث نفسه على أن تلك الأخطاء دفعت مستطلعي الآراء لتحسين أساليبهم من أجل نتائج أكثر دقة، قائلاً: “ما حدث بالفعل في انتخابات التجديد النصفي 2022، أنها أظهرت نتائج أكثر دقة في انتخابات الولايات الرئيسية، وتطابقت إلى حد كبير مع الواقع”، معتبراً أن استطلاعات الرأي الدقيقة مهمة بشكل كبير في العملية الديمقراطية، إذ توفر بيانات حيوية حول توجهات الناخبين واهتماماتهم”.

استطلاع للرأي العام أم للتأثير عليه؟

تحتل استطلاعات الرأي العام، الخاصة بالانتخابات، صدارة اهتمام وسائل الإعلام الأميركية، ما يجعلها، وفق الخبراء، تؤثر على التغطيات الصحافية، في حين أن هناك افتراضاً مفاده، أن استطلاعات الرأي لا تعكس تفضيلات الناخبين فحسب، بل إنها قد تؤثر عليهم بشكل كبير أيضاً، وتوجههم نحو اختيار بعينه.

ويميل عميد كلية شار للسياسة في جامعة جورج ماسون، مارك جيه روزيل، إلى الافتراض الثاني، مشيراً في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن هذا التأثير يعود إلى فترة طويلة.

اقرأ أيضاًarticle image
اقرأ أيضاً

استطلاع: هاريس تتقدم على ترمب وناخبون يعتبرونها فائزة بالمناظرة

أظهر استطلاع للرأي أجرته “رويترز/إبسوس” أن هاريس حظت بتأييد 47% من المشاركين متفوقة على ترمب الذي نال تأييد 42% في السباق للفوز بالانتخابات.

وقال روزيل: “تشير الأبحاث إلى وجود (تأثير القاطرة) أو (تأثير الزخم)، مما يعني أنه عندما يلاحظ المواطنون اتجاهاً معيناً، هناك ميل لدى بعضهم للانضمام إلى ذلك الاتجاه. وهذا ينطبق سواء في مجال الأزياء أو تفضيلات السياسة، إذ يتأثر الناس بالاتجاهات في المجتمع، ولهذا نرى أحياناً الزخم يتزايد في حملة مرشح ما عندما تتحسن أرقام استطلاعات الرأي”.

من جانبه، يُخالف أستاذ السياسة في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، جون وايت، ذلك الرأي، قائلاً: “لا أتفق مع فكرة أن استطلاعات الرأي تؤثر على الناخبين، لكنها تؤثر على التغطية الإعلامية في السباق الانتخابي، وكيفية تغطية الحملة الانتخابية، وغالباً ما تكون هذه الاستطلاعات مهمة بشكل خاص في الانتخابات التمهيدية، حيث موارد الصحافة محدودة، وعليها أن تقرر أي المرشحين ستغطيهم وأيهم ستتجاهلهم”.

بدوره، لفت مكيري، الباحث السياسي المتخصص في استطلاعات الرأي الانتخابية، إلى أن الاستطلاعات تحظى باهتمام مفرط في وسائل الإعلام، لافتاً إلى أنه لا يعتقد أن الاستطلاعات تؤثر على آراء الناخبين بقدر تأثيرها على طريقة تغطية الإعلام للمرشحين والحملات الانتخابية، وقال: “يبدو ذلك انعكاساً لطريقة تغطية الإعلام واهتمامه المفرط بالاستطلاعات، وليس نتيجة لعيوب في صناعة الاستطلاعات”.

كيف تُقرأ الاستطلاعات؟

تختلف نتائج استطلاعات الرأي الفيدرالية عن نتائج استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة، إذ من الممكن أن يُحقق أحد المرشحين نتائج جيدة على المستوى الفيدرالي، بينما يحقق آخر نجاحاً أكبر في هذه الولايات. وفي بعض الحالات، إذا كان لدى مرشح تقدم كبير في الاستطلاعات الفيدرالية، يمكن أن يحقق أيضاً نتائج جيدة، لكن من الصعب استنتاج ما يحدث هناك بناء على الاستطلاعات الفيدرالية.

ويفسر مكيري ذلك، بأنه في الولايات المتأرجحة، يتعرض الناخبون لعشرات الملايين من الدولارات التي تُنفق على الإعلانات، في حين قد لا يتم إنفاق أي موارد تقريباً في الولايات غير المتأرجحة. وبناءً على ذلك، ينقسم الناخبون الأميركيون إلى مجموعتين مختلفتين، وقد تُظهر المجموعتان توجهات متشابهة، لكن من الممكن أيضاً، أن تكون الآراء حول السباق والمرشحين مختلفة بشكل جوهري في الولايات المتأرجحة عن بقية الولايات.


وتدفع هذه المعطيات روزيل، عميد كلية شار للسياسة في جامعة جورج ماسون، إلى التذكير بأن هناك اختلافات جوهرية بين استطلاعات الرأي الفيدرالية والولايات المتأرجحة، مشيراً إلى أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تتمتع بفارق عدة نقاط مئوية على المستوى الفيدرالي، الأمر الذي تُعززه التفوقات الكبيرة في الولايات ذات الكثافة السكانية مثل كاليفورنيا. وقال إنه في المجمع الانتخابي، لا يهم هامش الفوز في الولاية، بينما في الولايات السبع المتأرجحة المعترف بها، تكون الهوامش أقرب كثيراً، وهذا سيكون مهماً في الانتخابات.

هل تعتمد الحملات على نتائج الاستطلاعات؟

تُنشر نتائج استطلاعات الرأي العامة على نطاق واسع من قبل شركات الأبحاث أو وسائل الإعلام لتوضيح موقف المرشحين أو القضايا المطروحة، ليتمكن الجمهور من معرفة الوضع السياسي. وتحتاج الحملات الانتخابية إلى ما يعرف بـ”استطلاعات الرأي الداخلية”، التي تُجرى خصيصاً للحملات الانتخابية، ولا تُنشر على نطاق واسع.

ولفت روزيل إلى أن استطلاعات الرأي الداخلية غالباً ما تكون أكثر تفصيلاً ودقة، لمساعدة المرشحين على معرفة كيفية استهداف الدوائر الانتخابية المختلفة، وتابع: “غالباً ما تكون هذه الاستطلاعات دقيقة للغاية، لكننا لا نتعرف عليها، إلا عندما تصدر الحملات نتائج محدودة يمكن أن يكون لها بعض التأثير السياسي”.

من جانبه، يعتقد مكيري، أنه لا يوجد استطلاع رأي واحد مثالي، معتبراً أن استطلاعات الرأي يجب أن تكون واحدة من الصناعات التي تتسم بالتكيف والابتكار المستمرين، وقال: “السبب في أن الاستطلاعات الداخلية أكثر دقة، هو أنها، غالباً، ما تستخدم منهجيات أكثر صرامة من الاستطلاعات العامة. ورغم أنها تستخدم عينات أصغر من الجمهور المستهدف، إلا أنها تستند إلى تحليلات أعمق وأدق. وغالباً ما تتضمن اختبارات الرسائل، وتحليل مفصل للعوامل النفسية والسلوكية للناخبين”.

اقرأ أيضاًarticle image
اقرأ أيضاً

استطلاع: مناظرة ترمب وهاريس ستساعد 30% من الناخبين في تحديد أصواتهم

أظهر استطلاع جديد أن 3 من كل 10 ناخبين مسجلين قالوا إن المناظرة الرئاسية بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب، ستساعد في تحديد خياراتهم.

وأشار مكيري إلى أن الفارق الأكبر بين استطلاعات الرأي العامة واستطلاعات الرأي الداخلية، هو أن الأخيرة تدور أكثر حول مساعدة المرشحين على شحذ رسائلهم لمحاولة دفع الناخبين نحو موقفهم المفضل المتمثل في دعم مرشحهم أو موقفهم بشأن القضية، وفهم نقاط قوة وضعف المرشح، وتوجيه استراتيجياتهم السياسية والإعلانية، “هذه الاستطلاعات تُستخدم لتشكيل الرسائل الحملة واتخاذ القرارات التكتيكية”.

في المقابل، تهتم استطلاعات الرأي العامة بشكل شبه كامل بقياس موقف الناخبين في لحظة معينة من الزمن “في حين أن استطلاعات الرأي الداخلية للحملات الانتخابية تركز بشكل أكبر على كيفية تحريك الناخبين في الاتجاه المطلوب”، وفق مكيري.

هل تجني الاستطلاعات الانتخابية الأموال؟

مع تدفق المئات من استطلاعات الرأي في الموسم الانتخابي 2024، يبدو للوهلة الأولى أن شركات جمع البيانات تجني الكثير من المال، لكن في الواقع أغلب استطلاعات الرأي الانتخابية لم تستهدف مطلقاً جني الأموال مباشرة، بل تسعى إلى تسويق وترويج علامة تجارية يتعرف عليها العملاء التجاريين، ويتعاقدون معها للمساعدة في بيع سلع أو خدمات تجارية.

وأكد وايت أن معظم شركات الأبحاث لا تجني أموالها من استطلاعات الرأي الانتخابية، إنما تجني مداخيلها من استطلاعات الرأي الخاصة، وغالباً ما تكون للمنتجات الاستهلاكية.

وذكرت شبكة CNBC الأميركية، أنه حتى أكبر الشركات، مثل “جالوب”، تقدم استطلاعات انتخابية مجاناً، للترويج لنفسها، مما يجذب العملاء من الشركات الكبرى لعمل أبحاث السوق التجارية، ويدفع لها العملاء من الشركات مئات الملايين من الدولارات، مقابل استطلاعات عن أنواع ماكينات الحلاقة مثلاً.

وحتى الكليات والجامعات مثل “كوينيبياك” و”ماريست” و”مونماوث”، أصبحت أكثر انتشاراً بفضل استطلاعات الرأي السياسية المجانية لديهم. وجذب التعرف على العلامة التجارية المزيد من الطلبات والطلاب، وبالتالي المزيد من الأموال الدراسية للجامعات.

وفي السياق ذاته، قال عميد كلية شار للسياسة في جامعة جورج ماسون، مارك جيه روزيل، إن منظمات استطلاع الرأي المستقلة الكبرى تحافظ على مسافة بينها وبين الحملات السياسية، من أجل حماية سمعتها في الإبلاغ غير الحزبي والمستند إلى البيانات عن النتائج.

وبينما يذهب المال الحقيقي الوحيد في الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات إلى المحللين الذين يتم توظيفهم من قبل الحملات، فإن روزيل أشار إلى أن شركات الاستطلاعات التي تعمل لصالح حملات حزبية عادة ما تكون شفافة بشأن هذه العلاقة.

ويتفق معه مكيري، بشأن علاقة الحملات الانتخابية ومستطلعي الرأي الذين توظفهم، قائلاً إن “هناك مستوى عال من الشفافية بينهما”، معتبراً أنه يجب الإبلاغ عن نفقات الحملة على استطلاعات الرأي إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية “مما يجعلها شفافة تماماً بشأن العلاقة بين الحملة ومستطلع الرأي، ومقدار الموارد التي تنفقها الحملة على ذلك”.

وأضاف الباحث السياسي المتخصص في استطلاعات الرأي الانتخابية، أنه “في نهاية المطاف، يجب على شركة الاستطلاع أن تحمي نزاهتها ودقتها”.

وفي حين أن استطلاعات الرأي تُشكل تحدياً، ولا يمكن لأي من خبراء استطلاعات الرأي أن يكون على حق تماماً بنسبة 100%، أكد مكيري، أنه إذا اكتسب أحد خبراء استطلاعات الرأي سمعة سيئة، بسبب عدم الدقة أو السلوك غير الأخلاقي، فمن الصعب جداً على هذا الخبير أن يبقى في السوق.

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية