الذكاء الاصطناعي.. سلاح جديد في الكشف المبكر عن أعراض الخرف

الذكاء الاصطناعي.. سلاح جديد في الكشف المبكر عن أعراض الخرف

أصبح الذكاء الاصطناعي أحد الأدوات الواعدة في مجال الطب، خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في تشخيص الأمراض العصبية مثل الخرف، وألزهايمر، وبات محل اهتمام العديد من الدراسات، ونشرت إحداها مؤخراً في دورية Nature Neuroscience.

ويعاني أكثر من 55 مليون إنسان في العالم من الخرف، يعيش أكثر من 60% منهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويتم تسجيل ما يقرب من 10 ملايين حالة جديدة، كل عام، وفق منظمة الصحة العالمية.

ومكافحة الأمراض الدماغية، ولا سيما خرف الشيخوخة، أولوية عالمية، إذ يسعى الباحثون والعلماء جاهدين للعثور على طرق فعالة للكشف المبكر عن هذا المرض، وتطوير علاجات جديدة.

اكتشاف خرف الشيخوخة

وحتى الآن، لا توجد أدوية لعلاج خرف الشيخوخة، كما أن اكتشاف المرض يأتي في مرحلة متأخرة لا تُجدي معها الأدوية التي قد تساهم في تقليل حدة المرض، أو تلك التي تبطئ من تقدمه.

وقد يساهم اكتشاف حالات الخرف مبكراً في تمكين المريض من عيش حياة أطول دون أعراض، لذا، يحاول العلماء ابتكار أدوات تشخيصية سهلة، وفعالة، ورخيصة السعر، ويمكن استخدامها على نطاق واسع.

وبفضل التطورات التكنولوجية، يمكن الآن للذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية بدقة غير مسبوقة، ما يتيح للأطباء اكتشاف التغيرات الطفيفة التي تحدث في الدماغ، أو شبكية العين، والتي قد تشير إلى بداية مرض الخرف قبل ظهور الأعراض بشكل واضح، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست“.

الذكاء الاصطناعي والتشخيص المبكر

يعد هذا التقدم خطوة مهمة نحو التشخيص المبكر، ما يتيح التدخل السريع، وإبطاء تقدم المرض. ويُمكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالين رئيسيين، للكشف مبكراً عن أمراض الدماغ، وهما: تحليل مسح الدماغ، وتصوير شبكية العين.

وتستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي تحليل صور الدماغ التفصيلية عبر تقنيات الرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني بدقة كبيرة، بفضل قدرتها على اكتشاف أدنى التغيرات في بنية الدماغ ووظائفه.

على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي قياس انكماش منطقة الحُصين بدقة عالية، وهي علامة مبكرة لمرض الزهايمر، هذا الانكماش، الذي قد يصعب ملاحظته في الفحوصات التقليدية، يمكن أن يشير إلى بداية الخرف، قبل ظهور الأعراض الواضحة.

لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الكشف المبكر فقط، بل يتعداه إلى مراقبة تطور المرض، فمن خلال تحليل صور الدماغ المتكررة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد مدى سرعة تدهور مناطق الدماغ المصابة، مما يساعد الأطباء على تقييم فعالية العلاجات، واتخاذ القرارات العلاجية المناسبة في الوقت المناسب.

وبينما تعتمد الطرق التقليدية في تشخيص الخرف على فحص طبيب الأعصاب، يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات الموجودة في صور الدماغ، ما يتيح اكتشاف أنماط معقدة لا يمكن ملاحظتها بالوسائل الأخرى.

بفضل هذه التقنية، يمكن للأطباء البدء في العلاج في مراحل مبكرة من المرض، ما يزيد من فرص تحسين نوعية حياة المريض، وإبطاء تطور المرض.

تحليل تصوير شبكية العين

أصبح تصوير شبكية العين أحد الأدوات التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في اكتشاف مرض الزهايمر مبكراً، وتُظهر دراسات ذات صلة أن التغيرات التي تحدث في شبكية العين قد تكون مرتبطة، بشكل وثيق، بتلك التي تحدث في الدماغ، مثل تراكم الصفائح الأميلويدية، التي تعد من السمات المميزة لمرض ألزهايمر.

وتستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل صور الشبكية، للكشف عن هذه التغيرات المجهرية التي قد تشير إلى وجود خطر الإصابة بالخرف، وهذا النوع من التحليل يمكن أن يكون بديلاً أقل تكلفةً، وأكثر سهولةً مقارنةً بمسح الدماغ التقليدي، ما يجعله أداة فعالة للفحص المبكر في الفئات المعرضة للخطر.

تتبع الكلام

تتيح الأجهزة القابلة للارتداء، والتطبيقات الذكية، المعززة بالذكاء الاصطناعي، تتبع مجموعة واسعة من المؤشرات الحيوية التي يمكن أن تكشف عن التغيرات المعرفية المبكرة.

والخرف مرض عصبي، يؤثر على الذاكرة، والتفكير، والقدرة على القيام بالأنشطة اليومية.

ويعتبر الكشف المبكر عن الخرف أحد أهم التحديات في مجال الطب العصبي. وإحدى الطرق المبتكرة التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذا الهدف هي تحليل أنماط الكلام باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن للخوارزميات الذكية تحليل الكلام اليومي، للكشف عن التغيرات الطفيفة التي قد تكون مؤشراً على بداية الخرف.

يعتبر الكلام وسيلة للتعبير عن الأفكار والمعلومات. ويعكس، بشكل مباشر، الحالة المعرفية للشخص.

وقد تعكس أي تغييرات في سرعة الكلام، وبناء الجمل، واستخدام المفردات اضطرابات في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة والتفكير. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه الجوانب بشكل دقيق وسريع، من خلال تسجيلات الكلام الطبيعية، سواء في المحادثات اليومية، أو في الاختبارات المحددة.

أحد المؤشرات المبكرة على الخرف هو تدهور المفردات، وقد يجد الشخص المصاب بالخرف صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة أثناء التحدث، مما يؤدي إلى استخدام كلمات أقل دقة، أو أكثر عمومية.

على سبيل المثال، بدلاً من استخدام كلمة معينة مثل “هاتف”، قد يستخدم الشخص كلمة عامة مثل “شيء”، ويستطيع الذكاء الاصطناعي اكتشاف هذه التغيرات من خلال مقارنة الكلمات المستخدمة في المحادثات على مدار الوقت.

ويعد البطء المتزايد في الكلام علامة أخرى قد تشير إلى تدهور معرفي، ويمكن أن يُظهر الشخص المصاب بالخرف بطئاً متزايداً في تكوين الجمل، أو التفكير لفترات أطول قبل الرد على الأسئلة، وتُعد هذه التغيرات في سرعة المعالجة العقلية، والتنفيذ اللفظي من العلامات التي يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشافها من خلال تحليل سرعة الكلام، ومقارنتها بالمعايير الطبيعية.

تعتمد معظم تطبيقات تحليل الكلام في الكشف عن الخرف على خوارزميات التعلم الآلي، إذ يتم تدريب النموذج على بيانات ضخمة من الكلام الطبيعي لمرضى الخرف، وأشخاص أصحاء، ثم يقوم الذكاء الاصطناعي بتحديد الأنماط التي تختلف بين المجموعتين، مثل الكلمات الأكثر شيوعاً، وسرعة الكلام، ومدى تعقيد الجمل، وعندما يتم تقديم بيانات جديدة للمريض، يمكن للنموذج أن يحدد ما إذا كانت هذه الأنماط تشير إلى وجود تدهور معرفي.

تقنيات معالجة اللغة الطبيعية

وتُستخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية، لتحليل النصوص المنطوقة، وفهم بناء الجمل، والعبارات المستخدمة، إذ يمكن لتحليل أنماط الكلام، بدعم من الذكاء الاصطناعي، أن يكشف عن علامات مبكرة لمرض الخرف قبل ظهور أعراضه الواضحة.

وهذه القدرة على الكشف المبكر تمثل قفزة نوعية في مجال الرعاية الصحية، إذ تتيح للأطباء التدخل مبكراً وتوفير العلاجات. وتتميز تقنية تحليل الكلام بكونها غير مؤلمة، حيث يمكن للمريض إجراء الاختبار ببساطة من خلال إجراء محادثة عادية.

وتتيح تطبيقات الهواتف الذكية، والأجهزة المنزلية الذكية، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، متابعة مستمرة لتطور الحالة الصحية للمريض. يمكن لهذه التطبيقات تسجيل وتحليل عينات صوتية بانتظام، مما يوفر للطبيب صورة واضحة عن تطور المرض، وتأثير العلاج.

رغم الفوائد العديدة لهذه التقنية، إلا أنها تواجه بعض التحديات، إذ يجب تطوير الخوارزميات لتكون قادرة على التمييز بدقة بين التغيرات الطبيعية في الكلام، والتغيرات المرضية، مع مراعاة التنوع اللغوي والثقافي.

كما يجب حماية خصوصية البيانات الصوتية للمرضى، وتطوير بروتوكولات أمنية صارمة لحماية هذه البيانات من الاختراق، وقد تكون تكلفة تطوير وتطبيق هذه التقنية مرتفعة، ما يحد من توافرها في بعض المناطق.

التنبؤ بالإصابة بمرض الخرف

يعد تحليل البيانات الجينية والمؤشرات الحيوية جزءاً لا يتجزأ من الجهود المبذولة للكشف المبكر عن الخرف، وتطوير استراتيجيات الوقاية والعلاج.

ويمثل تشخيص الخرف تحدياً كبيراً في الأوساط الطبية، نظراً لتعقيد العوامل الوراثية والبيولوجية المؤثرة في هذا المرض، لكن التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يفتح الباب أمام طرق جديدة لتحليل مجموعات البيانات الضخمة، مثل المعلومات الجينية والمؤشرات البيولوجية، ما يمكّن الأطباء من تقييم خطر إصابة الشخص بالخرف، بشكل أكثر دقة.

تحمل الجينات بداخلها معلومات وراثية تحدد العديد من صفاتنا، بما في ذلك احتمال إصابتنا ببعض الأمراض. أحد الجينات المرتبطة بمرض ألزهايمر جين APOE ε4، فالأشخاص الذين يحملون هذا الجين أكثر عرضة للإصابة بالمرض.

ويمكن للذكاء الاصطناعي، “قراءة” هذه الشفرة الوراثية بدقة عالية. فمن خلال تحليل الجينوم البشري، يمكن للأنظمة الذكية تحديد الأنماط الجينية المرتبطة بالخرف، ما يساعد في تحديد الأفراد الأكثر عرضة للإصابة.

بالإضافة إلى الجينات، هناك مؤشرات حيوية أخرى في الجسم، يمكن أن تشير إلى بداية الخرف، هذه المؤشرات، مثل بروتينات الأميلويد وتاو، تتراكم في الدماغ قبل ظهور الأعراض.

ويستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل هذه المؤشرات بدقة عالية، من خلال فحص عينات الدم، والسائل النخاعي، والصور الطبية، ويسمح التحليل المبكر بتشخيص المرض في مراحله الأولى.

تحليل نمط الحياة

ولا يقتصر الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الجينية، أو العلامات الحيوية فقط، بل يمكنه دمج هذه البيانات مع عوامل أخرى مثل نمط الحياة، والعادات الصحية، والتاريخ العائلي، ومن خلال ربط هذه العوامل ببعضها، يمكن للأنظمة الذكية بناء صورة أكثر شمولية عن خطر الإصابة بالخرف لدى كل فرد.

باستخدام النماذج الرياضية المعقدة، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ باحتمالية إصابة الشخص بالخرف في المستقبل، وهذه التنبؤات تساعد الأطباء والمرضى على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن خطط الرعاية الصحية، مثل تغيير نمط الحياة، أو البدء في العلاج الدوائي.

ويُمكن أن يستخدم التعلم العميق، الذي يتعامل مع كميات هائلة من البيانات المعقدة، في تحليل المعلومات الجينية بدقة فائقة، كما يمكن لهذه النماذج أن تتعامل مع المتغيرات الجينية المتعددة، وتحليل التفاعلات بينها وبين العوامل البيولوجية الأخرى.

اختبارات معرفية مخصصة

تُعد الاختبارات التقليدية لتقييم الوظائف المعرفية، مثل اختبارات الذاكرة والانتباه، أدوات مفيدة، لكنها غالباً ما تكون ثابتة، وتفتقر إلى القدرة على التكيف مع القدرات الفردية للمريض. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تطوير اختبارات معرفية أكثر ذكاءً، تُصمّم خصيصاً لكل فرد.

يمكن لهذه الاختبارات أن تُجرى باستخدام أجهزة مثل الهواتف الذكية، أو الأجهزة اللوحية، مما يجعلها أكثر سهولة للأشخاص في بيئتهم اليومية، ومن خلال مراقبة التغيرات الطفيفة في الأداء بمرور الوقت، يمكن للطبيب تحديد ما إذا كان الشخص يعاني من تدهور معرفي تدريجي، حتى قبل أن يصبح هذا التدهور واضحاً في الحياة اليومية.

لكن، بدلاً من استخدام الاختبارات التقليدية، مثل اختبارات الذاكرة، يعتمد الذكاء الاصطناعي على طرح أسئلة مخصصة للمريض، تأخذ في الاعتبار عوامل مثل العمر، والمستوى التعليمي، والخلفية الصحية. هذه الاختبارات الذكية تجعل التقييم أكثر دقة، وملاءمة لاحتياجات كل فرد.

ومع تطور الذكاء الاصطناعي، قد تصبح هذه الاختبارات سهلة الوصول، كما يمكن، لأي شخص تجربتها باستخدام الهاتف الذكي، أو أي جهاز ذكي آخر، ما يسهل على الأطباء متابعة الصحة العقلية للمريض على مدى فترة زمنية طويلة، وهذا النوع من المراقبة المستمرة يتيح الكشف عن أي تغييرات صغيرة في الأداء العقلي.

وقد يوفر تحليل البيانات التي يتم جمعها من هذه الاختبارات، بواسطة الذكاء الاصطناعي، نتائج دقيقة وشاملة، وتقدم هذه التقنية صورة أوضح لصحة الدماغ مقارنة بالأساليب التقليدية، مما يتيح للأطباء اتخاذ قرارات علاجية مبنية على معلومات موثوقة.

واحدة من أكبر الفوائد لهذه التقنية هي القدرة على اكتشاف التغيرات في الدماغ في مراحل مبكرة جداً، ويمكن لذلك أن يسهم في التشخيص المبكر لبعض الحالات مثل الخرف، أو مرض ألزهايمر، كما أن النتائج ستكون أكثر موضوعية ودقة، خاصة مع تقليل تأثير التحيزات البشرية، أو العوامل المؤقتة مثل المزاج، أو التعب، ما يضمن تقييماً أفضل للوظائف المعرفية.

رغم الفوائد العديدة، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في التقييم المعرفي يتطلب معالجة كميات كبيرة من البيانات الشخصية، ومن الضروري وجود تدابير صارمة لحماية هذه البيانات، وضمان عدم انتهاك الخصوصية.

مستقبل واعد

في المستقبل، يمكن للأجهزة المنزلية الذكية، أو الهواتف المعززة بالذكاء الاصطناعي، مراقبة سلوك الأفراد ووظائفهم العقلية بشكل مستمر، وذلك من خلال تسجيل وتحليل أنماط حياتهم اليومية.

على سبيل المثال، قد تتم مراقبة أنماط المشي، وطريقة الحديث، أو حتى تفاعلات البشر مع البيئة المحيطة.. هذه المراقبة ستتم بطريقة غير مزعجة، وبدون الحاجة إلى زيارات متكررة للطبيب، ما يسمح بالكشف عن علامات مبكرة للخرف.

كما سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل البيانات التي تجمعها هذه الأجهزة المنزلية، وبمرور الوقت، يمكن للنظام اكتشاف تغيرات دقيقة في أنماط الكلام، أو الحركة، مثل البطء التدريجي، أو التردد أثناء الحديث، والتي قد تكون مؤشرات مبكرة على تطور الخرف.

وبفضل الذكاء الاصطناعي، قد يمكن للتشخيص المبكر للخرف أن يصبح أكثر شيوعاً وسهولة، وستمكن التكنولوجيا المتقدمة الأطباء من اكتشاف التغيرات في الدماغ في مراحلها الأولية، ما يتيح البدء في العلاج المناسب قبل تطور الأعراض إلى مراحل متقدمة.

كاتب صحفي لدى موقع ترند نيوز اهتم بمتابعة ورصد اخر الاخبار العربية والعالمية