علماء الفيزياء الفلكية يطرحون فرضية “الانفجار العكسي” كنهاية محتملة للكون

توصل فريق دولي من الفيزيائيين في الولايات المتحدة وإسبانيا والصين إلى نموذج جديد مثير للقلق، حيث يتوقعون نهاية مروعة للكون، وهي انهياره على نفسه في ظاهرة معاكسة للانفجار العظيم، أو ما يعرف بـ “الانكماش الكوني الشامل”، وذلك في غضون أقل من 20 مليار عام من الآن، بعد فترة من التوسع المتباطئ والانكماش التدريجي تحت تأثير الجاذبية.

ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة Journal of Cosmology and Astroparticle Physics، فإن الكون، الذي يبلغ عمره الحالي 13.8 مليار سنة، سيستمر في التمدد لمدة 11 مليار سنة أخرى تقريبًا، ليصل إلى أقصى حجم له، أي ما يقارب 1.7 ضعف حجمه الحالي، ثم سيتباطأ هذا التمدد ويتوقف تمامًا، ليدخل بعدها في مرحلة الانهيار المدمر نحو نقطة واحدة فائقة الكثافة، تمامًا كما بدأ في “الانفجار العظيم” أو ما يعرف بـ “البيغ بانغ”، وذلك بحسب تقرير نشره موقع “ScienceAlert” العلمي.

تغيير المفاهيم الكونية

أوضح الفيزيائي هنري تاي من جامعة كورنيل، الباحث الرئيس في الدراسة، أن هذا السيناريو المفزع يعتمد على نتائج حديثة تشير بقوة إلى أن الطاقة المظلمة، المحرك الخفي لتوسع الكون، قد تكون في حالة تراجع مستمر، وليست ثابتة كما كان يعتقد سابقًا، وهذا الاكتشاف يقلب المفاهيم التقليدية لعلم الكون رأسًا على عقب.

وأضاف تاي: “على مدى العقدين الماضيين، افترض العلماء أن الثابت الكوني موجب، ما يعني أن الكون سيستمر في التمدد إلى الأبد، لكن البيانات الحديثة توحي بقوة بأنه سلبي، وأن النهاية ستكون بانكماش كوني شامل”، وهذا التحول في فهمنا للطاقة المظلمة يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة ومثيرة للاهتمام حول مصير الكون.

وقال تاي: “في الستينيات من القرن الماضي، اكتشفنا أن للكون بداية محددة، والآن نسأل: هل له نهاية أيضًا؟، فلسنوات طويلة اعتقدنا أنه سيتمدّد إلى الأبد، لكن إذا تأكدت هذه النتائج، فسيكون للكون ختام محدد، تمامًا كما كانت له بداية”، وهذا التصريح يلخص جوهر التغيير الذي يشهده علم الكونيات اليوم.

الطاقة المظلمة: القوة الخفية وراء مصير الكون

يرتكز هذا السيناريو المثير على مفهوم الثابت الكوني، الذي أدخله ألبرت أينشتاين في نظريته في النسبية العامة، لتفسير توسع الكون، فعندما يكون هذا الثابت موجبًا، فإنه يدفع الكون إلى التمدد المستمر، أما إذا كان سالبًا، فإنه يعمل كقوة جذب خفية، تبطئ التمدد وتعيد الكون إلى نقطة البداية.

تشير الملاحظات الفلكية الحديثة إلى احتمال أن تكون الطاقة المظلمة، التي تشكل أكثر من 70% من الكون، ليست ثابتة بل تتغير بمرور الزمن، وهذا الاكتشاف يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة هذه الطاقة الغامضة وتأثيرها على مصير الكون.

افترض الفريق أن هذه الطاقة ناتجة عن جسيمات افتراضية خفيفة للغاية تُعرف باسم “الأكسيونات” (Axions)، التي تعمل كقوة دافعة في البداية، لكنها تفقد تأثيرها تدريجيًا، حتى تهيمن الجاذبية على المشهد، وهذا الافتراض يقدم تفسيرًا محتملًا لتغير الطاقة المظلمة وتأثيرها على التوسع الكوني.

في هذا النموذج، تواصل الأكسيونات دفع الكون إلى التمدد خلال المليارات القادمة، ولكن بعد نحو 11 مليار سنة، تضعف قوتها بما يكفي ليتغلب تأثير الجاذبية السالب الناتج عن “الثابت الكوني”، فيتوقف التمدد ويبدأ الكون في الانكماش، وهذا التحول يمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الكون.

نهاية أسرع من البداية: الانكماش الكوني الشامل

شبّه الباحثون هذه العملية بركوب دراجة تصعد تلًا مع رياح خلفية تهدأ تدريجيًا، حيث يتباطأ الصعود حتى يتوقف عند القمة، ثم يبدأ الهبوط بسرعة متزايدة، وهذا التشبيه يوضح بشكل مبسط كيف يمكن أن يتحول التوسع الكوني إلى انكماش مدمر.

بحسب الحسابات، فإن مرحلة الانهيار ستكون أسرع بكثير من مرحلة التمدد، إذ تُسرّع طاقة الأكسيونات الحركية عملية الانكماش، بينما تزداد كثافة المادة وقوة الجاذبية مع اقتراب “الانفجار العكسي”، وهذا يعني أن نهاية الكون قد تكون أسرع وأكثر عنفًا مما نتصور.

عند لحظة النهاية، سيعود كل ما في الكون (من مجرات ونجوم وكواكب) إلى نقطة مفردة فائقة الكثافة والحرارة، كما كانت قبل الانفجار العظيم، لتكون صورة معكوسة لبداية الزمن نفسه، وهذا السيناريو يثير تساؤلات فلسفية عميقة حول طبيعة الزمن والوجود.

احتمال علمي: بين الفرضية والحقيقة

شدد الباحثون على أن هذه النتيجة ليست “نبوءة” حتمية، بل هي مجرد إحدى الفرضيات الممكنة، تعتمد بشكل كبير على صحة الملاحظات التي تشير إلى تغيّر الطاقة المظلمة، وهو أمر لم يُثبت بعد بشكل قاطع، لذلك يجب التعامل مع هذه النتائج بحذر وترقب.

لا يزال العلماء يجهلون ماهية هذه الطاقة الغامضة، وما إذا كانت مرتبطة فعلًا بجسيمات الأكسيون أو بآليات فيزيائية مختلفة تمامًا، وهذا الغموض يمثل تحديًا كبيرًا لعلم الكونيات الحديث.

الكون في منتصف الطريق: نظرة إلى المستقبل

إذا صحّ هذا النموذج، فإننا نعيش اليوم في منتصف عمر الكون تقريبًا، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار العظيم، ومع نحو 20 مليار سنة تفصلنا عن الانفجار العكسي، فإن البشرية وكل أشكال الحياة المعروفة ستختفي قبل أن تبدأ المراحل الأخيرة للانكماش الكوني بزمن طويل، وهذا السيناريو يضعنا في منظور جديد تمامًا حول مكاننا في الكون وتاريخه.

على المستوى العلمي، يقدم هذا السيناريو رؤية مثيرة لجدلية البداية والنهاية في علم الكونيات، ويعيد طرح سؤال جوهري: “هل الكون نظام مفتوح إلى الأبد، أم حلقة مغلقة تُعيد نفسها في دورة لا نهائية من الانفجار والانهيار؟”، وهذا السؤال يمثل أحد أكبر الألغاز التي تواجه علم الكونيات الحديث.