قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن الردع الموسع هو نتاج الحرب الباردة، حيث تعهدت الولايات المتحدة بحماية الحلفاء باستخدام القوة العسكرية؛ بما في ذلك الأسلحة النووية، لافتا إلى أن هذا المبدأ رسخ توازن القوة النووية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأبرز الدكالي، في مقال له “الردع الموسع.. هل انتهى زمن الأوهام؟”، أن غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 شكل نقطة تحول بارزة، موردًا أن ذلك مثل بداية نهاية استراتيجية الردع الموسع، موضحًا أن دولًا مثل الصين والهند تعمل على تعزيز ترسانتها النووية؛ مما يؤدي إلى تصدع في التوازن النووي العالمي.
نص المقال:
الردع الموسع هو نتاج الحرب الباردة، حيث تعهدت الولايات المتحدة بحماية الحلفاء باستخدام القوة العسكرية؛ بما في ذلك الأسلحة النووية.
وفي نطاق الحرب الباردة، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عن استعدادهما لتوسيع نطاق حماية ترسانتيهما النوويتين ليشملا حلفاء وشركاء كل منهما؛ وذلك في مقابل تعهد هذه الدول الأخيرة بعدم السعي إلى امتلاك السلاح النووي. وتقع هذه التعهدات المتبادلة في صلب نظام حظر انتشار الأسلحة النووية الذي تأسس عام 1968.
لقد اتسم العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بوضعية من التوازن في القوة النووية رسخت مبدأ الردع الموسع تحت المظلة النووية.
ومن أمثلة ذلك في الاجتماع الوزاري الأول حول الردع الموسع، أكدت اليابان والولايات المتحدة أهمية تقاسم” المظلة النووية” الأمريكية؛ وهو ما يؤكد التزام الولايات المتحدة باستخدام النطاق الكامل لقدراتها العسكرية، بما في ذلك القدرات النووية للدفاع عن حليف.
إنه تحالف أمني ودفاعي بين الولايات المتحدة واليابان تتعهد فيه واشنطن بتحقيق الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وكبح التهديدات الصينية، وضمان أمن اليابان ضمن استراتيجية الردع الموسع بين واشنطن وطوكيو يتعهد الطرفان بتقديم الدعم اللازم في حال وقوع هجوم مسلح على الأراضي الخاضعة للإدارة اليابانية.
في هذا الإطار كذلك، نذكر أثنى يون سيوك يول، الرئيس الكوري الجنوبي، على نظام الردع الموسع والمعزز في النصف الأول من عام 2024 لمنع التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية من مصدرها، ويشير الردع الموسع إلى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حليفتها بكل قدراتها العسكرية بمافي ذلك الأسلحة النووية.
إن الردع الموسع يدخل في إطار الاستراتيجية الأمريكية، والتي في مجملها هي ذات أهداف براغماتية تدفعها لتمر بمراحل مختلفة أثناء تطورها.
الولايات المتحدة، بعد خروجها منتصرة على التحالف الشيوعي وانشغال أوروبا بترتيباتها الداخلية، لعبت دورها العالمي باعتبارها القوة الكبرى التي لها الحق في نظام عالمي جديد يخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية. وهنا، برز الردع كأحد الأركان الاستراتيجية الأمريكية في حسم الصراع الذي كان سائدا.
وبما أن استراتيجية الرادع تتغير بقوة المردوع، عمدت إلى ما يسمى الاستراتيجية الوقائية والتي فتحت أبوابا جديدة للمصالح الأمريكية.
لقد شكل غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير2022 أمرين بارزين حسب العديد من الملاحظين؛ أولهما نهاية ما بعد الحرب الباردة كما كتب مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في مقال نشرته “فورين أفيرز”، وثانيهما بداية نهاية استراتيجية الردع الموسع..
بقي أن أشير إلى أن أوكرانيا فرطت في بقايا الترسانة النووية السوفياتية أمام الضغوط الدولية المتزايدة، حيث قامت بتفكيك الأسلحة وتقديمها إلى موسكو. وبموجب ذلك انضمت أوكرانيا إلى معاهدة عدم الانتشار النووي (مذكرة بودابست للضمانات الأمنية 1994) إلى جانب بيلاروسيا وكازاخستان بضمانات الحماية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا. وبذلك، أصبحت أوكرانيا المنزوعة السلاح النووي ذات جيش تقليدي ينتظر الحماية في إطار “الردع الموسع”.
في المقابل، يسجل التاريخ أن الرئيس الفرنسي شارل ديغول لم يكن يثق في مزاعم الردع الموسع، وأكد أن فرنسا لكي تكون آمنة ليس لها من خيار سوى الحصول على قدرة نووية خاصة بها، حيث عبر صراحة عن ذلك في عام 1963 قائلا: “تظل الأسلحة النووية الأمريكية هي الضمانة الأساسية للسلام العالمي… ولكن القوة النووية الأمريكية لا تستجيب بالضرورة في الوقت المناسب لجميع الاحتمالات المتعلقة بأوروبا وفرنسا، وبالتالي… قررنا تجهيز أنفسنا بقوة ذرية فريدة من نوعها”. وهكذا، بدأت فرنسا برنامجها النووي، أطلقوا عليه اسم (القوة الضاربة) كان برنامجا عسكريا سريا في عام، 1954وأعلنت عنه في عام 1958، واختبرت بنجاح أول سلاح لها عام 1960.
ويجب التذكير أن المملكة المتحدة بدأت أول برنامج للأسلحة النووية عام 1941، ودمجته مع مشروع مانهاتن الأمريكي بعد عامين. وبعد توقف الولايات المتحدة عن التعاون بعد الحرب، قررت لندن الاستمرار بمفردها واختبرت بنجاح أول قنبلة نووية عام 1952.
ويجب أن نشير كذلك إلى أن الصين وضعت هدفا استراتيجيا لتوسيع ترسانتها النووية؛ مما سيؤدي إلى تصدع في استراتيجية الردع النووي، حيث يشكل حصول الصين على قوة نووية حالة من الخلل في التوازن الدقيق في النشاط النووي العالمي. كما تعمل على تحديث قوتها الصاروخية بهدف إنشاء ثالوث قوي من أنظمة التوصيل النووية البرية والبحرية والجوية، وهي القدرة التي تمتلكها حتى الآن روسيا والولايات المتحدة.
ناهيك عن أن الهند تعمل على زيادة قوتها النووية بشكل كبير، كما أن هناك مساعٍ من جانب باكستان في هذا الاتجاه، وهي تطورات تهدد بفقدان التوازن النووي.
في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، أكدت أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أنه في العقود الأخيرة في أوروبا “اعتقدنا أننا نستمتع بفوائد السلام؛ ولكن في الواقع كنا ندير عجزا أمنيا ليس إلا”.
وشددت رئيسة الجهاز التنفيذي الأوروبي على أن أوروبا “مدعوة إلى الاهتمام بشكل أفضل بدفاعها ليس في المستقبل البعيد؛ بل منذ اليوم، ليس بخطوات تدريجية، بل بالشجاعة التي يتطلبها الوضع.. نحن بحاجة إلى زيادة في الدفاع الأوروبي، ونحن بحاجة إلى ذلك الآن”.
وقالت مخاطبة الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ: “لقد انتهى زمن الأوهام”.
0 تعليق