الفرجة الرمضانية تحيي الجدل بشأن "تجسيد الصحابة" في الدراما التاريخية - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سجال متواصل يرافق بث مسلسل “معاوية” على قنوات MBC وسط مطالب بمنع عرضه؛ ليعود معه النقاش حول حدود الفن والدراما في تناول الشخصيات الدينية والتاريخية، خصوصا صحابة رسول الله محمد ﷺ.

وباتت الأعمال الدرامية التي تعرض خلال شهر رمضان لا تقتصر على الترفيه فقط؛ بل تحمل في طياتها تصورات فكرية وأيديولوجية تسعى إلى ترسيخ سرديات تاريخية معينة، إذ تحاول بعض الإنتاجات إحياء الجدل القديم حول قضايا تاريخية ودينية حساسة.

وأثار مسلسل “معاوية” موجة من النقاش بين مؤيد ومعارض، بين من يرى في الدراما وسيلة لإحياء التاريخ وتقديمه للجمهور بأسلوب مشوق وبين من يعتبرها مدخلا لتحريف الحقائق أو إثارة الفتن.

ويعالج المسلسل، الذي خصصت له ميزانية ضخمة تقدر بحوالي 100 مليون دولار، قصة تاريخية تتمحور حول الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان.

صراع قديم بأدوات معاصرة

محسن اليرماني، باحث في العقيدة والفكر ومقارنة الأديان، قال إن مسلسل “معاوية” يكرس الصراع القديم الجديد بين المذهبين السني والشيعي.

وأضاف اليرماني، في تصريح لهسبريس: “قديما، كان العلماء والفقهاء يؤلفون الكتب والمؤلفات. أما اليوم فيتم استخدام الفن والسينما والتلفزيون لذلك، بوصفها أدوات معاصرة”.

وأوضح الباحث في العقيدة والفكر ومقارنة الأديان أن تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية يثير جدلا واسعا واختلافا بين العلماء، إذ ينقسم الرأي الفقهي بين مؤيد ومعارض، مشيرا إلى أن الرأي المؤيد لجواز تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية يستند إلى المصالح المعتبرة التي قد تتحقق من ذلك؛ مثل التعريف بسيرتهم العطرة وفضائلهم، فضلا عن الإسهام في إنتاج أعمال فنية هادفة تعرّف الجمهور بتاريخ الإسلام وحضارته ومجده. أما فريق الرأي الرافض، تابع اليرماني، فيرى أن تجسيد الصحابة يؤدي إلى ترسيخ صورة الممثل في أذهان المشاهدين على أنه الصحابي الذي جسده؛ مما قد ينعكس سلبا إذا ما قدم الممثل لاحقا أدوارا تخالف سيرة الصحابة وقيمهم، كأدوار الفسق أو الشر. كما أن طرح قضايا تاريخية حساسة قد يعمّق الانقسامات المذهبية.

وسيلة دعوية

يرى محسن اليرماني أن الأعمال الفنية تشكل وسيلة دعوية مهمة في العصر الحالي، والتي يمكن من خلالها إيصال رسالة الإسلام إلى العالم، مستحضرا غزارة الإنتاجات الفنية المسيحية عن المسيح عيسى عليه السلام.

واستطرد المتحدث عينه: “آمل أن يصدر العلماء فتاوى بجواز تجسيد الرسول ﷺ، على أن يكون الهدف من الفيلم أو العمل الفني هو الدعوة إلى الله والتعريف بالإسلام وليس إثارة الفتنة بين الفرق الإسلامية”.

وعلاقة بالمنع الذي لاقاه العمل الفني ببعض الدول، قال الباحث في العقيدة والفكر ومقارنة الأديان إن منع إيران لعرض المسلسل فوق أراضيها يأتي من منطلق أن “الشيعة يكفرون معاوية ويخرجونه من ملة الإسلام؛ لأنه أخذ الحكم من علي بن أبي طالب وأولاده. كما أنها رأت في المسلسل ما يثبت لمعاوية الصحبة لرسول الله ﷺ، وما يبرز العديد من مناقبه وأمجاده.

وأورد الباحث اليرماني أن معاوية يعد من المجاهدين الذين أبلوا البلاء الحسن في الفتوحات الإسلامية، وشارك في غزوتي حنين واليرموك، وأول من قاد كتيبة المسلمين للغزو عن طريق البحر”.

وزاد المصرح لهسبريس: “يرى أهل السنة والجماعة أن قتال معاوية لعلي بن أبي طالب في زمن الفتنة لم يكن قتال إيمان وكفر، وإنما هو قتال اجتهاد وتأول؛ فالخلاف بينهما لم يكن بسبب الدين والعقيدة، وإنما هو اختلاف يمكن إدراجه ضمن مباحث السياسة الشرعية التي تسعى بالأساس إلى تحقيق المصلحة العليا للأمة الإسلامية.. فكل من معاوية وعلي قصدا الحق وسعيا إليه”، وفق تعبير الباحث سالف الذكر.

دفوعات ووعي

قال خالد بويشو، كاتب ومخرج مغربي، إن الجدل المتعلق بتجسيد الشخصيات التاريخية والدينية من عصر النبوة يتجدد من وقت إلى آخر ويعود إلى ظهور الوسائط التي توجه إلى المتلقي عبر التلفزيون أو السينما التي كانت سباقة إلى هذا الأمر.

وأورد بويشو، في تصريح لجريدة هسبريس، أن هذا المعطى وجب مقاربته بعقلية فنية وتقنية من خلال الانفتاح على المعسكرين الرافض والمؤيد والأسس التي يني عليها كل فريق طرح ودفوعاته.

وأضاف المخرج المغربي ذاته أن تناول التاريخ الإسلامي له أهمية كبيرة، فقط يجب أن يكون الكاتب والسيناريست واعيا بما يكتب وأن يستعين بالمصادر الموثوقة والخبراء الذين يضبطون الأحداث الكبرى والوقائع لمراجعة السيناريو، حتى يتم معالجة المواضيع بانسيابية ولا يتم خدش شعور هذا الفريق أو ذاك.

واعتبر بويشو النقاش الدائر حول حدود الفن في تناول الشخصيات التاريخية والدينية في الدراما نقاشا صحيا في ظل التطور الذي يعرفه العالم من ثورة تكنولوجية وعلى الفن أن يواكب هذا التحول.

الحساسية والخيال

يرى المخرج خالد بويشو أن إنتاج أي عمل درامي بخصوص هذه الشخصيات الدينية يجب أن يراعي حساسية ومكانة لدى مختلف المذاهب، مستحضرا اللغط الذي رافق مسلسل “عمر” حين عرضه؛ غير أن هذا الجدل سرعان ما اختفى بعدما تم الوقوف على الطريقة المدروسة التي تم بها تقديم المسلسل.

وأرود المخرج المغربي أنه بناء على ما وصلنا نعرف أن الأحداث الكبرى هي التي تم توثيقها وتناقلها في حين نفتقد ما حصل بين حدث كبير وآخر أو بين غزوة وغزوة، وهنا يدخل الخيال في كيفية ربط حدث كبير بآخر لتمرير روحانية هذه الشخصيات أو تعاملها، مشددا على أن مسلسل “معاوية” “سيثير الكثير من الجدل، خصوصا أنه يحكي فترة ومرحلة حساسة من التاريخ الإسلامي التي خلفت ظهور ثلة من الفرق مثل “الشيعة” وأحداث كبيرة تزامنت مع هذه الحقبة بالذات.

ويزيد بويشو: “لا أرى مانعا من تجسيد هذه الشخصيات التي هي من لحم ودم وبشر قبل كل شيء، كما أنها لا تحظى بالقداسة كما يعتقد البعض لأن لها ما لها وعليها ما عليها”، موردا أن “التاريخ الإسلامي حقل مليء بالألغام. ومن ثم، يجب مقاربته بالنقد والتحليل وتقديمها إلى الجمهور بشكل تقريبي، خصوصا هذه الفترة التي شهدت حروب الردة إلى غاية قيام الدولة الأموية”.

السياسة والدين

جدير بالذكر أن مسلسل “معاوية” أثار اعتراضات دينية حتى قبل عرضه أبرزها من الأزهر الشريف، الذي شدد على رفضه تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية، مبرزا خطورة الأعمال التاريخية الجدلية على السلم المجتمعي، خاصة في شهر رمضان. وعلى الرغم من هذا الجدل، فإن شبكة MBC تواصل عرض المسلسل.

ودافع الكاتب خالد صلاح، كاتب المسلسل، عن العمل، مؤكدا أنه لا يسعى إلى ترجيح كفة طرف على آخر؛ بل يقدم معاوية كإنسان واجه تحولات كبرى بين السياسة والدين والصراعات.

وأضاف صلاح، في تصريحات صحافية، أن المسلسل يعالج شخصية معاوية من منظور درامي، باعتباره قائدا سياسيا حكم بالعقل قبل السيف، وواجه تحديات كبرى؛ أبرزها صراعه على السلطة بعد مقتل عثمان بن عفان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق