يواجه تنظيم القاعدة في جنوب آسيا أزمة وجودية غير مسبوقة، إذ أجبرته الضغوط الأمنية المتزايدة والضربات النوعية التي استهدفت قياداته على التحول إلى العمل السري، والاحتماء تحت مظلة جماعات إرهابية إقليمية أكثر نشاطًا مثل حركة طالبان باكستان.
التنظيم بين الضغوط الأمنية والتحالفات الجديدة
منذ مقتل زعيمه أيمن الظواهري في غارة أمريكية على كابول في أغسطس 2022، والتنظيم يعاني من فقدان القيادة والتشتت العملياتي. ومع تزايد الضربات الاستخباراتية والعسكرية، اضطر فرع القاعدة في شبه القارة الهندية إلى اللجوء إلى المناطق الحدودية الوعرة بين أفغانستان وباكستان، حيث عزز تحالفاته مع جماعات أخرى لضمان استمراره.
ووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير، فإن التنظيم وسع تعاونه مع حركة طالبان باكستان، التي نفذ معها عمليات مشتركة تحت راية حركة الجهاد الباكستانية، مما يعكس نمطًا متزايدا من الاندماج بين الحركات الإرهابية الإقليمية.
دور القاعدة في العمليات الإرهابية الإقليمية
بحسب تقارير أمنية منشورة فإن كبار قادة القاعدة أقروا تقديم دعم مباشر لحركة طالبان باكستان، بما في ذلك تدريب 15 قائدا للمشاركة في هجمات داخل الأراضي الباكستانية. كما وفر التنظيم مقاتلين لدعم عمليات الحركة، لا سيما في هجوم تشيترال في سبتمبر 2023.
وفي خطوة تكتيكية أخرى، أمرت قيادة القاعدة في يوليو 2023 بالتخلي عن المركبات الخاصة بها لصالح طالبان باكستان، في محاولة للتهرب من الاستهداف الأمريكي.
محاولات الاندماج ومحدودية التأثير
شهدت السنوات الأخيرة اندماج عدة جماعات إرهابية باكستانية مرتبطة بالقاعدة داخل حركة طالبان باكستان، من أبرزها جماعة أمجد فاروقي في محاولة لتعزيز النفوذ في مواجهة تراجع القدرات اللوجستية للقاعدة.
لكن رغم هذه المحاولات، لا تزال قدرة القاعدة على شن عمليات مستقلة محدودة، حيث تعاني من فقدان الموارد البشرية والمالية، بجانب الاستهداف المستمر من قبل الأجهزة الأمنية.
تراجع النفوذ: هل انتهت القاعدة؟
يؤكد المراقبون والخبراء أن مقتل الظواهري لم يكن مجرد ضربة رمزية، بل أدى إلى انحسار نفوذ التنظيم في المنطقة بشكل واضح. فبخلاف الخسائر القيادية، فإن الاستهداف المستمر لعناصره، مثل اعتقال القيادي البارز أمين الحق في 2024، قلل من قدرته على إعادة التموضع.
وفيما تحاول القاعدة الحفاظ على وجودها عبر دعم الجماعات الإرهابية الإقليمية، فإن استراتيجيتها باتت دفاعية أكثر منها هجومية، ما يعكس حجم التراجع الذي أصاب التنظيم مقارنة بسنواته السابقة.
في النهاية يمكننا القول أن القاعدة في جنوب آسيا تعيش مرحلة حرجة، حيث تتحول من لاعب رئيسي في المشهد الإرهابي إلى مجرد داعم لجماعات أخرى. ورغم محاولاتها المستميتة للحفاظ على نفوذها عبر التحالفات، فإن مستقبلها يظل مرهونا بقدرتها على التكيف مع الضغوط الأمنية المتزايدة، والتي تجعل من استمرارها تحديًا صعبًا في ظل البيئة الأمنية المشددة.
0 تعليق