بوقنطار يتساءل: هل يقلب الرئيس الأمريكي ترامب موازين النظام الدولي؟ - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الأكاديمي المغربي الحسن بوقنطار إن “الرئيس ترامب، منذ عودته إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، استأثر باهتمام الدول، حيث بات العالم منشغلا بتصرفاته المتوقعة وغير المتوقعة، التي تعطي الانطباع بأنه مُصرّ على إعادة صياغة قواعد اللعب الدولية، غير مبالٍ بالأعراف والقواعد الدبلوماسية التي ميزت العلاقات بين الدول”، مشيرا إلى “عدم توقعية مواقفه وتأثيرها المحتمل على النظام الدولي”.

وسجل الحسن بوقنطار، في مقال له بعنوان “ترامب.. هل يقلب موازين النظام الدولي؟”، أن السياسة الخارجية الأمريكية عرفت تحولات بارزة مع ترامب، موردا أن “مواقفه تجاه النزاع الروسي الأوكراني تعكس تغيرا جذريا عن سياسات سلفه”، موضحا أن “رؤيته تتمحور حول الدفاع عن المصالح الوطنية بمنطق المقايضة، وتجاهل القانون الدولي، وإعادة ترتيب التحالفات الدولية وفق أولويات جديدة”.

وتناول المقالُ الموضوع من خلال عدد من المحاور، شملت مسألة ثبات السياسة الخارجية الأمريكية، وأولوية الدفاع عن المصالح القومية تحت شعار “أمريكا أولا”، إضافة إلى مقاربة الدبلوماسية باعتبارها مرادفا للمقايضة، وأخيرا تجاهل القانون الدولي وتهميش التنظيمات الجماعية.

نص المقال:

منذ عودته إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، استأثر الرئيس ترامب باهتمام الدول، حيث بات العالم منشغلا بتصريحاته وتصرفاته المتوقعة،وغير المتوقعة التي تعطي الانطباع، على الأقل إلى حد الساعة، أنه مُصرّ على إعادة صياغة قواعد اللعب الدولية غير مبال بالأعراف والقواعد الدبلوماسية التي ميزت العلاقات بين الدول .

لا شك في أنه من السابق لأوانه الحسم في مخرجات وتداعيات هذا الأسلوب على مكونات النظام الدولي، اعتبارا لعدم توقعية مواقف ترامب نفسه، وكذا درجة المقاومة من طرف الشركاء الآخرين؛ لكن مع ذلك، وبقطع النظر عن التصرفات الظرفية، يمكن رسم بعض المعالم الرئيسة التي قد تشكل قطيعة مع الممارسة الأمريكية السابقة، وحتى مع مرتكزات التفاعل الدولي، في حالة استدامتها، وهي تكمن بدءا في محاولة تغيير إدراك السياسة الخارجية نفسها، والمغالاة في الدفاع عن المصالح الوطنية، والتركيز على أسلوب المقايضة، وأخيرا تجاهل القانون الدولي والتنظيم الجماعي.

أي ثبات للسياسة الخارجية؟

لقد سادت قناعة معرفية، نابعة من ممارسات الدول، مضمنها أن السياسة الخارجية لدولة ما، على خلاف السياسة الداخلية، تتسم في مجملها بالثبات والاستقرار، بصرف النظر عن تعاقب الرؤساء والأغلبيات المختلفة، اعتبارا إلى أن المصالح الوطنية للدولة تحددها اعتبارات موضوعية تتعالى عن المصالح السياسوية والحزبية. فضلا عن ذلك، فإن العلاقات بين الدول هي نتاج لاتفاقيات ومعاهدات والتزامات متبادلة لا يمكن التراجع عنها إلا عبر مساطر، تحددها تلك المواثيق نفسها.

إجمالا، فإن السياسة الخارجية ظلت، في أبرز محدداتها، محكومة بالاستمرارية؛ بالرغم من الانتقادات التي توجهها المعارضة في الدول الديمقراطية.

ما نراه اليوم في أمريكا، يبدو مخالفا لهذه القناعة؛ فالرئيس ترامب يعطي الإشارات المتوالية إلى عدم الالتزام بالخط الذي دافع عنه سلفه بايدن. ويبدو هذا الأمر جليا في تعامله مع النزاع الروسي الأوكراني؛ فبعدما كانت الولايات المتحدة من أبرز داعمي أوكرانيا بالمال والسلاح والدبلوماسية وأكبر المناهضين لروسيا التي كانت تعتبرها بمثابة المعتدي، فإن ترامب بصدد قلب هذه المعادلة رأسا على عقب، فهو يعتبر أن خيارات الإدارة السابقة كانت خاطئة وأفضت إلى خسائر مادية وبشرية غير مبررة، مما يتطلب وضع حد لهذه الحرب. ولن يتم ذلك إلا بإعادة حبل التواصل مع روسيا. في السياق نفسه، فهو يحمّل مسؤولية بدء الحرب لأوكرانيا. ومن ثم، يرفض نعت روسيا بالمعتدي، كما فعل داخل الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الثالثة للحرب الأوكرانية الروسية. فبعدما عارض قرار الجمعية العامة الذي يطالب بوضع حد للحرب وانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، فإنه صوّت لصالح قرار في مجلس الأمن يطالب فقط بسلام عاجل؛ وهو أول قرار يصدره مجلس الأمن منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير 2022، بعد أن صوّتت لصالحه إلى جانب الولايات المتحدة كل من روسيا والصين، في حين امتنعت الدول الأوروبية عن التصويت، وهي فرنسا وبريطانيا والدانمارك واليونان وسلوفينيا.

هذا السلوك ليس حصرا على ترامب؛ بل إنه يمثل اتجاها يتنامى عبر العالم، والذي يمثله بعض القادة الجد الذين يستغلون صعودهم بواسطة الاقتراع الرئاسي كما هو الأمر في هنغاريا والأرجنتين لبلورة خطاب شعبوي يركز على مناهضة الطبقة السياسية السابقة المثخنة بالفساد والنفاق؛ وبالتالي إذكاء ممارسة أكثر تعبيرا عن المصالح الحقيقية للدولة، ولانتظارات المواطن البسيط.

في هذا السياق، فإن اختيارات السياسة الخارجية تصبح بدورها قابلة لإعادة النظر، على الأقل، في بعض محاورها، حتى، ولو كلف ذلك تغيير التحالفات، وموازين القوى العالمية.

الدفاع عن المصالح القومية.. أمريكا أولا وأخيرا

ينبغي الإقرار بأن أولوية الدفاع عن المصالح القومية ليست بالأمر المستحدث؛ فالعلاقات الدولية، إن لم نقل العلاقات الإنسانية عموما، انبنت في عمقها على الدفاع عن المصالح. لقد ظلت النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، منذ بداية القرن العشرين، تهيمن على تحليل العلاقات الدولية. لكن حدة هذه المقاربة تراجعت منذ نهاية الحرب الباردة، بفعل تنامي العولمة، وتزايد الارتباطات والمبادلات بين الدول، بشكل جعل العالم يخرج من النظام الدولي إلى نوع من الجماعة الدولية. أكثر من ذلك تراجع مفهوم توازن القوى، لصالح توازن المصالح. وترافق كل ذلك ببروز قيم التضامن والحوار في حل الخلافات الدولية لفائدة، من جهة، معايير وقواعد يمثلها القانون الدولي، ومن جهة أخرى، بناء سلسلة من التنظيمات الدولية التي رغم حدودها والانتقادات الموجهة إليها تبقى بمثابة المراقب l aiguilleur للعلاقات بين الوحدات الدولتية.

لكن إذا كان الدفاع عن المصالح القومية يبقى من متطلبات قادة ومسؤولي الدول، ليس فيه ما يضير، طالما اقترن باحترام مصالح الآخرين، فإنه في منظور ترامب يطرح عددا من الإشكالات؛ أولها: من حيث الشكل، ذلك أن الأسلوب الذي يصرف به ترامب تصريحاته وقراراته، خاصة، مع من يعتبرهم خصومه، لا يعير أي احترام للآخر. فهو يعود بشكل فج إلى منطق الحرب الباردة البئيس الذي يقوم على أساس أنه كل من ليس معي فهو ضدي؛ بل أكثر من ذلك، فهو ينظر إلى العلاقات مع الآخر من منطق الإملاءات والتعليمات والإرضاخ، وحتى التوبيخ إن اقتضى الحال، كما تجلى ذلك من خلال المشادة الكلامية مع الرئيس الأوكراني زيلانسكي وطرده من البيت الأبيض. كل ذلك لكون هذا الأخير حاول بدوره الدفاع عن حقوق بلاده فيما يخص حربها مع روسيا. من حيث المحتوى، ينظر الرئيس ترامب إلى مفهوم المصلحة على أساس مادي محض يكمن في خدمة تتطلب مقابلا في جميع الحالات. أسوأ من ذلك يركز على منطق التآمر وتقديم بلاده على أنها ضحية لمناورات وسلوكات الدول، سواء تعلق الأمر بالمجال التبادلي أو ارتبط الأمر بالتنظيمات الجماعية الدولية.

في هذا السياق، تندرج مجموعة من التصريحات والقرارات الهادفة في مجملها، حسب رأيه، إلى تصحيح الحيف الذي تعرضت له بلاده، بفعل جحود الآخرين وعدم اعترافهم بخدماتها ومساعداتها؛ كما هو الأمر، على سبيل المثال، بالنسبة لأوكرانيا التي لم يقدر رئيسها الجهود الأمريكية حق قدرها.

كإفراز لهذه المعاينة، فإن أمريكا باتت بحاجة إلى إعادة النظر في مجمل علاقاتها مع محيطها، للدفاع عن مكانتها، خاصة في مواجهة الصين التي تشكل التهديد الحقيقي للمصالح الأمريكية. فمن الناحية الجيواستراتيجية، يكرس ترامب، بشكل جلي، المقاربة الأمريكية التي بدأت تتبلور منذ سنوات، وخاصة في عهد الرئيس الأسبق أوباما، والتي تعتبر أن الخطر الحقيقي الذي يهدد أمريكا نابع من الصين. ومن ثم، فإن كافة الجهود القومية ينبغي أن تنصب على درء ذلك الخطر. ويتطلب الأمر مجموعة من الترتيبات الجديدة؛ من ضمنها داخليا تقوية الاقتصاد الأمريكي من خلال خفض العجز التجاري ومحاربة النفقات غير المنتجة وتشجيع القطاعات التكنولوجية الرائدة في كافة المجالات، ولا سيما مجال الدفاع. وخارجيا: احتواء الصين من خلال منعها من ترتيب تحالفات مع دول معادية للمصالح الأمريكية؛ وهو الأمر الذي يفسر إصرار ترامب على وضع حد للحرب بين أوكرانيا وروسيا، معتقدا أن ذلك الأمر سيبعد هذه الأخيرة عن الصين. وقد يتدعم ذلك أيضا من خلال اتفاقيات اقتصادية مشتركة، تتم في سياق المفاوضات لإنهاء الحرب مع أوكرانيا. في الاتجاه نفسه الضغط على الدول الأوروبية كي تتحمل مسؤولية الدفاع عن أمنها دون الاعتماد كليا على الولايات المتحدة. ويتطلب ذلك رفع ميزانياتها المخصصة للدفاع قد تصل إلى 5 في المائة من ناتجها الداخلي؛ في حين فهي لا تتجاوز اليوم في أغلب الدول الأوروبية 2,5 في المائة. من الواضح أن ترامب يدرك أن أوروبا لا يمكن لها أن تتخلى عن بلاده، ولا يمكن لها أن تواجه روسيا لوحدها، اعتبارا لمحدودية إمكانياتها الدفاعية، والتناقضات الداخلية التي تخترقها. لذلك، فهو يستعمل هذه الورقة الضاغطة؛ من جهة لتقليص نفقات بلاده الموجهة لحماية الأوروبيين، ومن جهة أخرى لدفعهم إلى إعادة التسلح، من خلال التزود بالأسلحة الأمريكية، مما ينعش الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي يخدم المصالح الأمريكية.

الدبلوماسية كمرادف للمقايضة

يصر الرئيس الأمريكي على مقاربة العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى من منطق ضمان استدامة الهيمنة الأمريكية. ولن يتم ذلك، حسب تصوره، إلا من خلال ثلاثة مرتكزات: المرتكز الأول يكمن في ضمان الحصول على ما يسمى بمعادن الأتربة النادرة terres rares، ويتعلق الأمر بمجموعة من المعادن النادرة التي يحتاجها الاقتصاد المعاصر لضمان استقلاليته ونجاعته. ويعتبر هذا الأمر حيويا بالنسبة لأمريكا طالما أن خصمها الصيني يسيطر اليوم على احتياطي من هذه المواد يقدر بـ44 ألف طن. وهو بذلك يعتبر الأول عالميا. يسمح لنا هذا الأمر بفهم الضغط الممارس على أوكرانيا من أجل إبرام اتفاق يسمح للولايات المتحدة بالاستفادة من تلك المعادن النادرة، كتعويض عن النفقات الموجهة إليها، في حربها مع روسيا. والأمر نفسه بالنسبة لمطالبته بكرولاند Groeland. فهذه الأخيرة زاخرة بكثير من المعادن الثمينة والأتربة النادرة التي تقدر حسب بعض الإحصائيات بألفي طن. وأما المرتكز الثاني، فيكمن في الحد من العجز الذي يعرفه الميزان التجاري الأمريكي مع عدد من الشركاء الاقتصاديين، وفي الوقت نفسه تشجيع إنتاج واستهلاك البضائع الأمريكية. في هذا الإطار، يندرج قرار فرض رسوم جمركية بمقدار 25 في المائة على البضائع المستوردة من كندا والمكسيك، ارتكازا على دعاوى واهية تخرق اتفاقية النافتا التي أقرت حرية تبادل السلع بين الدول الثلاث. في السياق نفسه، فرض 10 في المائة على البضائع الصينية، والتهديد بفرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية بقيمة 25 في المائة، ابتداء من شهر أبريل المقبل. وأخيرا، يرتبط المرتكز الثالث بتشجيع جلب الاستثمارات الأجنبية. وتحظى المملكة العربية السعودية بموقع بارز لدى الإدارة الأمريكية، لكونها تعتزم استثمار أكثر من 650 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، كما أنه بإمكانها أن تلعب دورا مهدئا فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الإيرانية، وكذا في عملية التسوية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أن منح البطاقة الذهبية التي تسهل الحصول على الجنسية الأمريكية، لمن يدفع 5 ملايين دولار، لا تخرج عن هذا المنطق الذي لا يحترم ولا يقدر إلا الأغنياء. بالمقابل، فإن محاربة الهجرة وعدم الاكتراث بمساعدة الفقراء في العالم لم تعد من هواجس الإدارة الأمريكية التي سارعت إلى وقف إن لم نقل تصفية برامج الوكالة الأمريكية للتنمية، إسوة بوكالات أخرى كان عملها ينصب على مساعدة الفئات في حالة الهشاشة.

إذا كان من الصعب اليوم التنبؤ بردود الفعل على هذه القرارات الأحادية المعبرة عن النزعة السيادية الهيمنية، وكذا انعكاساتها على الاقتصاد الأمريكي نفسه، والعالمي بصفة عامة، فمن الواضح أنها، فضلا عن كونها قد تقلص من المبادلات التجارية العالمية، فإنها قد تزيد من ضبابية وعدم يقينية التمفصلات الجيو سياسية، خاصة أنها تتصاحب مع تجاهل للقانون الدولي والتنظيمات الدولية.

تجاهل القانون الدولي وتهميش التنظيمات الجماعية

منذ رجوعه إلى الرئاسة الأمريكية، راكم ترامب التصريحات والقرارات المناهضة للقانون الدولي؛ فقد أعلن عن نيته استرجاع قناة بناما، وغرولاند التي توجد تحت السيادة الدانماركية. كما دعا إلى جعل كندا بمثابة الولاية الحادية والخمسين حتى تتمتع بالامتيازات الضريبية لباقي الولايات؛ بل أكثر من ذلك لم يتردد، في موقف فج، في طرد الفلسطينيين من غزة في اتجاه الأردن ومصر، وتحويلها إلى مشاريع عمرانية. وذلك ما يشكل، في حال تنفيذه، إجراء يدخل ضمن التطهير العرقي، والذي يمثل في نظر القانون الدولي الإنساني جريمة ضد الإنسانية.

في السياق نفسه، اتخذ في 6 فبراير الماضي مرسوما رئاسيا ضد المحكمة الجنائية الدولية يقضي بمنع دخول مسؤولي وأعوان هذه المحكمة إلى الولايات المتحدة، وتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم، وتوسيع هذا الإجراء ليشمل كل الأشخاص المشتبه في مساعدتهم في إجراء التحقيقات. كل ذلك كرد فعل على قرار المدعي العام للمحكمة المذكورة فتح تحقيق ضد نتنياهو ووزيره في الدفاع آنذاك غالانت، واحتمال تقرير متابعات ضد الأمريكيين في الجرائم التي ارتكبت في أفغانستان.

لا شك في أن موقف الولايات المتحدة لم يكن دائما واضحا إزاء المحكمة الجنائية الدولية؛ فهي ليست عضوا ضمنها، وموقفها منها اتسم بنوع من الكيل بالمكيالين في عهد كافة الرؤساء.. فعلى سبيل المثال، فقد رحبت إدارة بايدن بقرار هذه المحكمة متابعة بوتين فيما يتعلق بالتنقيل القسري للأطفال الأوكرانيين؛ لكنها أدانت بشدة قرار المحكمة نفسها المتعلق بمتابعة نتنياهو ووزير دفاعه.

لكن ترامب بأسلوبه المعهود، يذهب بعيدا، حيث يرى في العمق أن القانون الدولي يعتبر عرقلة في وجه سيادة الأقوياء. فهو بذلك يريد العودة إلى قانون الغاب، أو حالة الطبيعة التي تمنح الأقوياء فعل ما يريدون، والضعفاء الاستسلام والخضوع. وهو أمر إذا ساد، فمن شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى منع شيوع القوة، والاحتكام إلى القانون والمعايير الدولية التي لا تلغي تلك القوة؛ ولكن تلطف فقط من تداعياتها الوخيمة.

لا يقتصر الأمر على تجاهل القانون الدولي؛ بل يمتد أيضا إلى بعض المؤسسات الدولية التي لا تخدم المصالح الأمريكية، كما يدركها ترامب لأمريكا. فمن بين المراسيم التي تم توقيعها يوم تنصيبه، هناك مرسوم يتعلق بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، منتقدا بالأساس تدبيرها لوباء كورونا، الذي داوم على وصفه فقط بالفيروس الصيني.

على سبيل الختم، يمكن أن نتساءل عما إذا كانت هذه الإجراءات المعلنة تنم عن تغيير مفصلي في السياسة الخارجية الأمريكية، أم إن الأمر لا يعدو مجرد قرارات ظرفية تستهدف إعادة تموقع الولايات المتحدة لمواجهة تنامي صعود القوة الصينية؟ هل ستفضي إلى إقرار تحالف أمريكي روسي لفك الارتباط بين روسيا والصين؟ ما مقدار تأثيرها على التحالف الأمريكي الأوروبي الذي وسم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟

أخيرا، ما هو مستوى مقاومة باقي الدول والشعوب، وخاصة المتضررة منها لهذه المقاربة التي، كما أسلفنا لا تراعي كثيرا من القيم النبيلة التي رغم محدوديتها، فإنها ساهمت في إقرار توازنات أقل عنفا وعدوانية؟ هذه أسئلة من بين أخرى تطرحها الممارسة الأمريكية الجديدة، وهي ليست مجرد نظرية؛ بل هي في قلب التشكلات المستقبلية للنظام الدولي الذي يزداد غموضا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق