تساءل الأديب والباحث المغربي عبد الإله بنعرفة عن مقاطع الـ”ريلز” المصوّرة التي تتراوح مدتها بين 15 و90 ثانية في مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا: “أي عقل يستطيع استيعاب هذا التحول والقصف المستمر بين مقطع إباحي إلى موعظة دينية فمشهد رومنسي فأشلاء طفل ينفجر؟! وتخيلوا مراهقينا وشبابنا الذين يتعاملون مع هذه المقاطع يوميا، فيفرز هرمون الدوبامين بشكل مستمر، مما يخلق حالة من عدم التركيز وعدم الانتباه”.
وأضاف بنعرفة خلال مشاركته في “مهرجان الإمارات العالمي للآداب”: “نعيش اليوم محاصرين، فقد كان الإنسان ماضيا يرى في محيطه الجبال والبحار… ومع دخولنا العصر الصناعي بدأت تدخل أشياء غير ثابتة تؤثر على تمثل الإنسان لهويته، عندما لا يرى ما حوله ثابتا، بل متحولا باستمرار”.
وتابع: “أما العلاج، فنقول بالقراءة وأهميتها والثقافة والأدب الذي يجعل من الإنسان متيقظا، أما غير ذلك فينتج كائنات شاردة تستحل كل شيء، وحتى إذا رأت مأساة حقيقية أمامها فلا تستطيع التفاعل معها، لأن مستوى الشعور تمت إماتَتُه بهذا التحول المستمر. بل لا يستطيع المراهق حتى التركيز في فيديوهات مدتها عشر دقائق!؟”.
بالتالي: “نحن محاصرون، بوعي محاصر، وككتّاب وأدباء أمام التحولات التي تفرض علينا، فلنا إما العزلة أو الصمت أو الانكفاء على الذات. لكن علينا خوض هذه المعركة المصيرية، وللأدب اليوم دور وظيفي كبير جدا، ويدخل في استراتيجية للأمن الحضاري والثقافي، ولا يجب أن نتعامل مع هذا الأمر تعاملا بسيطا لا يفضي إلى بدائل حقيقية”.
ثم استرسل الأديب المغربي قائلا: “الأدب اليوم ضرورة قصوى تصالح الطفل والمراهق والشاب مع الزمن، أي حقيقة الزمن، فللأشياء منطق وتراكم حقيقي تسير عليه، ولا يمكن أن نسرّعها هكذا حسب الأهواء، فللتسريع، والتحول المستمر عواقب وخيمة على مكونات الإنسان ووجدانه، تفصل الكائن عن الواقع. ونحتاج الاتصال بالواقع، ونحتاج إبداعا موصولا لا مفصولا، حقيقيا، وأن نكون في مستوى التحديات التي تطرح علينا”.
وحول موضوع: “أسوار العقل العربي ودور الأدب؛ أ حيّ أم ميّت؟”، استشكل بنعرفة هذا العنوان الذي “عندما نستنطقه يشيّء العقل، فيجعل منه ذاتا، في حين إن العقل في الواقع فعالية لا ذات. ومن آفات اعتبار العقل ذاتا هو أن يجعل من ثمراته، عقلانية أحادية، فتكون الوجهة غربيةً للعقلانية التي أثبتت جدارتها”.
ويؤدي هذا، وفق المتحدث، إلى “مصادرةٍ على حق الشعوب في التفكير، وصياغة جواب حضاري عن أسئلة العصر الذي هم يعيشون فيه”.
بالتالي: “الآفة الكبرى هي اعتبار العقل ذاتا لا فعالية من الفعاليات. بينما الأفعال الإدراكية في مجملها، وأقواها الفعل العقلي أكثر الإدراكات تقلبا وتحولا، لكن اعتباره ذاتا يجعل منه شيئا ثابتا. وهذا السور الأول المحيط بهذا العقل العربي، والآفة الثانية غياب الإبداع عند هذا العقل، المتأتي من انفصاله عن الواقع؛ وبقدر انفصالنا عن الواقع لا يكون هناك ابتكار وإبداع”.
0 تعليق